في وقت يواصل المغرب الرسمي الصمت على تصريحات الرئيس الموريتاني بشأن نزاع الصحراء وتأكيده الاعتراف بالجمهورية الصحراوية التي تشكلها جبهة البوليساريو، بدأت وسائل الإعلام المغربية حملة ضد الرئيس الموريتاني وتذكره بما قدمه المغرب من مساعدات لموريتانيا ورغبته بعلاقات جيدة معها، فيما أبدت جبهة البوليساريو ارتياحها وترحيبها بالموقف الموريتاني الجديدة.
وقال محمد ولد الشيخ الغزواني، نهاية الأسبوع الماضي، إن «موقف موريتانيا لن يتغير وهو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية بغض النظر عن الحاكم أو التطورات الحاصلة في الملف» وهو الأول من نوعه منذ انتخابه رئيساً للبلاد.
وتقول الأوساط المغربية إنه في الوقت الذي ظن فيه متتبعو قضية الصحراء «أن انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً لموريتانيا، قد يعيد العلاقات المغربية الموريتانية إلى مجراها الصحيح، ويدفع بالقضية نحو الأمام، خرج الرئيس الموريتاني بتصريحات مفاجئة أكد فيها أن موقف بلاده لم يتغير تجاه ملف الصحراء المغربية، وهو الاعتراف بـ»الجمهورية الوهمية» في إشارة للجمهورية التي أعلنتها جبهة البوليساريو 1976 من طرف واحد.
وأضافت أنه على الرغم من مساعي المغرب إلى تطوير العلاقات مع موريتانيا، من خلال زيارات متكررة آخرها تلك التي قام بها ناصر بوريطة، وزير الخارجية والمغربي الأيام القليلة الماضية، والتقى فيها ولد الشيخ الغزواني، إلا أن الأخير ظل وفياً لسياسة خلفه، وأوضح أن «موقف موريتانيا ما زال هو الحياد الإيجابي، وسنحاول أن نكون على نفس المسافة من الجميع بحكم العلاقة بمختلف الأطراف، وحساسية الملف، وأهمية الحل بالنسبة إلى الدولة الموريتانية».
وأكد الرئيس الغزواني أن نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر ملف من الملفات والمواضيع التي لا يتغير تجاهها موقف موريتانيا وهو الحياد، والذي «لا يجب أن يبقى سلبياً ونحن نحاول على أن نكون بنفس المسافة بين الإخوة ويجب أن يكون الحياد إيجابياً ولا يكون راكداً».
وتعترف موريتانيا بالجمهورية الصحراوية لكنها لم تفتح لها سفارة في نواكشوط وتُقيم علاقات رسمية مع البوليساريو منذ سنة 1984، رغم أن الأمم المتحدة لا تعترف بها، ولوحت في أكثر من مرة بقرب افتتاح سفارة للجمهورية الصحراوية في العاصمة نواكشوط، لكنها تراجعت عن ذلك بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ونواكشوط بعد قطيعة دامت سنوات.
وتعتبر الاوساط المغربية أن سياق التصريحات الموريتانية على بُعد أيام قليلة من لقاء وزير الخارجية المغربي بالرئيس ولد الغزواني، وتأكيد المغرب رغبته في إنشاء «علاقات استثنائية» مع الجار الجنوبي، اعتبرها البعض رسائل سلبية تُخفي توتراً صامتاً بين البلدين. وتحدثت عن انزعاج موريتاني من مسألة ترسيم المغرب لحدوده البحرية في الأقاليم الجنوبية دون التشاور مع موريتانيا، مقابل حرص الرباط على فتح مشاورات مع مدريد بشأن الملف ذاته، وهو ما تعتبره نواكشوط بمثابة «تهميش» لها.
وقالت أوساط مغربية مطلعة إن ما «رمّمتهُ» الرّباط لتحصين علاقاتها مع نواكشوط والدّفع بها إلى مستوياتٍ متقدّمة، هدَّمه الرّئيس الموريتاني باعترافهِ بجبهة «البوليساريو»، ليزكّي بذلك استمرار «سُحب» انعدامِ الثّقة ويكرس الأزمة بين البلدين، وهو ما يفرضُ رداً حازماً من قبل الرّباط التي ما زالَت تبحثُ طرقَه المناسبة.
وأضافت أنه على الرّغم من الدّعم الكبير الذي تخصّصه الرباط للجار الجنوبي من أجلِ تعزيز قدراتهِ الأمنية والاقتصادية وجعله حليفاً «موثوقاً»، إلا أنّ عقيدة «العداء» التي وسمتْ تعامل النّظام الموريتاني القديم مع الجانب المغربي ما زالت مستمرّة وتتّخذ أبعاداً خطيرة، لأنّ الأمر يتعلّق هذه المرّة بأعلى سلطة في بلاد «شـــنقيط».