هل يعيد اختيار مبعوث أممي جديد للصحراء الغربية المسار التفاوضي إلى الصفر؟

دخل المسار السياسي لقضية الصحراء الغربية إلى مرحلة الجمود، منذ استقالة المبعوث الأممي هورست كولر، شهر أيار/مايو 2019.

ورغم مرور 9 أشهر على هذه الاستقالة لم تجد الأمم المتحدة بديلا للدبلوماسي الألماني، الذي استطاع لمّ شمل كافة أطراف النزاع ”المغرب، والجزائر، وموريتانيا، وجبهة البوليساريو“ على طاولة مستديرة في جنيف قبل أشهر.

ويبدو أن مهمة العثور على خليفة كولر مسألة ليست بالسهلة بالنسبة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، فالعديد من المرشحين إما رفضوا قبول المهمة وإما تم رفضهم من قبل أحد أطراف النزاع، وكان آخرهم وزير الخارجية السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك.

نزاع طويل وحل بعيد

ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة ”البوليساريو“ العام 1991، تعاقب على إقليم الصحراء مجموعة من المبعوثين ولم يتمكنوا من إيجاد تسوية نهائية.

ويرجع سبب غياب الحل بالأساس إلى تشبث كل طرف بمواقفه، حيث تصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا كحل تحت سيادتها، بينما تطالب ”البوليساريو“ بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.

وتذهب عدد من الآراء، إلى اعتبار مستقبل ملف الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة ”البوليساريو“ غير واضح، بالنظر إلى مجموعة من العوامل والحسابات الجيوسياسية.

ويرى مراقبون أن حرب المصالح وتدافع القوى في كواليس المؤسسات الأممية وتحديدا بين الدول العظمى، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا القريبة جغرافيا من الدول المعنية بالنزاع، يسهم في تعطيل إيجاد تسوية شاملة للملف.

ويبقى في الوقت الراهن الترقب سيد الموقف في انتظار تعيين الأمم المتحدة مبعوثا جديدا يجمع شمل أطراف النزاع في مائدة مستديرة لإيجاد حل سياسي توافقي.

عرقلة مغربية

وقال خبراء جزائريون، إن تعيين مبعوث الأمم المتحدة الخاص في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة ”البوليساريو“، أضحى مسألة أيام لاقتراب الموعد المقرر في الأصل بشهر نيسان/أبريل المقبل.

ويعتقد هؤلاء في تصريحات لـ“إرم نيوز“ أن المسألة مرتبطة أساسا بتحرك مغربي يعرقل مسعى اختيار خليفة المستقيل من المأمورية الأممية هورست كولر، في آيار/ مايو 2019.

وذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر والخبير في الشأن المغاربي إسماعيل دبش أن ”الرباط هي أكبر المستفيدين من تأخر الأمم المتحدة في تعيين قائد جديد لبعثة المينورسو؛ على اعتبار أن الوظيفة الأساسية للمبعوث الأممي هي ترتيب ظروف إجراء استفتاء تقرير المصير“.

ولا يخفي دبش أن ”تكون خطوة فتح قنصليات أجنبية في الأراضي الصحراوية هي محاولة لتشتيت الجهود الدولية لتعيين خليفة كوهلر، وأن الدول التي تفتح قنصليات لا تملك حتى رعايا في المنطقة، ولذلك فالإجراء لن يسمح بسوى عرقلة عمل الأمم المتحدة لفترة، ولن يؤثر في النهاية على تعيين شخصية أممية جديدة، لأن النزاع الصحراوي المغربي موجود على طاولة الأمم المتحدة“، وفق تعبيره.

ويرفض إسماعيل دبش الذي يعمل على أبحاث أكاديمية تخص القضية الصحراوية، ”اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية حليفا إستراتيجيا للمغرب على الرغم من التقارب بينهما في بعض الملفات الدولية، وبالتالي فالموقف الأمريكي من قضية الصحراء الغربية تحكمه ورقة حقوق الإنسان التي تحرج دوما حكومة الرباط“، حسب قوله.

تقرير المصير.. الرهان الكبير

ويرصد الكاتب الصحفي الجزائري رفيق موهوب ”عدم اكتراث بلاده بالمسألة، لاعتبارها عنصرا ملاحظا إلى جانب جارتها موريتانيا، في نزاع ثنائي بين جبهة البوليساريو والمغرب؛ لكنها ترقب توصل الأطراف الدولية إلى اتفاق حول شخصية تخلف الرئيس الألماني الأسبق في مهمته“.

ويرى موهوب أن ”تعيين المبعوث الأممي الخاص إلى الصحراء الغربية من شأنه أن يمنح جرعات إضافية للقضية التي تعتبرها حكومة الرئيس عبد المجيد تبون؛ آخر قضايا تصفية الاستعمار في أفريقيا، وذلك عبر استئناف المفاوضات بين طرفي النزاع المستمر منذ عقود“.

وتقول الباحثة في المدرسة العليا الجزائرية في العلوم السياسية سمية عطاوة، إن ”الدبلوماسية الجزائرية تنشط منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد قبل ثلاثة أشهر؛ على محاور متعددة أبرزها الاتحاد الأفريقي وتفعيل مبدأ تعدد الشراكات لكسب تفاهمات جديدة إزاء قضية الصحراء المتروكة لتحرك أفريقي مرتقب“.

وتوضح عطاوة أن ”الاتحاد الأفريقي يعتبر الصحراء الغربية والمغرب بلدين عضوين على قدم المساواة، وبالتالي فهو سيرفض ويدين كل محاولات افتكاك جزء من الأراضي الصحراوية،؛ بما في ذلك إنشاء ممثليات دبلوماسية في الأقاليم التي تقع تحت سلطة البوليساريو أو هي موضع خلاف ونزاع بينها وبين الرباط“.

ويتفق الثلاثة على أن ”التأخر بتعيين مبعوث أممي جديد يشكل عثرة أخرى للأمم المتحدة، ولكنه لن يمنح نقاطا إضافية برصيد هذا الطرف أو ذاك على اعتبار أن الرهان هو إجراء استفتاء لتقرير المصير للشعب الصحراوي، وما دام هذا لم يقع فإن مسألة الحل ستظل مؤجلة إلى حين“.

هل الحل بيد الجزائر؟

من جانبه، رأى تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن ملف الصحراء يمر حاليا بفترة جمود لغياب بديل واضح للمبعوث الأممي المستقيل هورست كولر، الذي استطاع بفضل شخصيته القوية وحنكته أن يعيد جميع أطراف النزاع إلى طاولة المباحثات قبل أشهر في جنيف.

وأضاف الحسيني في تصريح لـ“إرم نيوز“، أن جنسية المبعوث الأممي إلى الصحراء دائما ما تطرح إشكالا بالنسبة للمغرب، حيث يتوجس من أن يكون أمريكيا وذلك بسبب التجارب السيئة التي مرت من خلالها المملكة، لافتا أن الموقف الأمريكي من قضية الصحراء ارتبط بمواقف شخصية أكثر مما هي مؤسساتية.

وفي المقابل، يستطرد المحلل السياسي المغربي قائلا: ”دائما ما ترحب الجزائر والبوليساريو بأن يكون المبعوث الشخصي أمريكي الجنسية وينتمي لمدرسة فكرية تعادي مصالح الرباط“.

وأكد الحسيني أن تأخر تعيين خلف لكولر يعود بالأساس إلى صعوبة المهمة، فالأمم المتحدة تبحث عن اسم متوافق عليه لضمان تعاون مهني يحترم أخلاقيات تدبير النزاعات.

ويعتقد المتحدث أن دائرة الحل توجد لدى الإدارة الجزائرية، فهي قادرة على حلحلة الملف بإرادة سياسية حقيقية.

وأضاف قائلا: ”كنا نتوقع أن تتمخض عن الحراك الشعبي في الجزائر حكومة مدنية تقدر الوضع وتتجاوز أخطاء الماضي، لكن للأسف الرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون أظهر أنه يمثل المؤسسة العسكرية، وجدد التأكيد على موقف بلاده الثابت حيال قضية الصحراء، معتبرا أنها قضية تصفية استعمار“.

وأشار الحسيني إلى أن الخطوات الدبلوماسية التي اتبعتها المملكة المغربية منذ أشهر، استقطبت مجموعة من الدول الأفريقية الصديقة للمغرب وقامت بافتتاح قنصلياتها العامة في كبرى مدن الصحراء، معتبرا أن هذه الخطوة ”تزكي مغربية الصحراء أمام المنتظم الدولي“.

ورجح أن يعود المسار التفاوضي إلى نقطة الصفر، كما أن المبعوث الأممي القادم، غالبا ما سيتبع أسلوبا جديدا في التفاوض.

صراع المقترحات

وفي تحليله للمعطيات الراهنة المتسمة بالجمود، قال محمد بودن، الأكاديمي المغربي والمحلل السياسي إن قضية الصحراء لم تدخل إلى النفق المظلم رغم جل التطورات التي عرفتها في الآونة الأخيرة لأنها ”تُعالج في نهاية المطاف على المستوى الأممي“.

وأشار بودن في تصريح لـ“إرم نيوز“، إلى وجود أزمة حقيقة في إيجاد مبعوث أممي إلى الصحراء بالنظر لجسامة المهمة.

واعتبر الأكاديمي المغربي أن جل المؤشرات تفيد بأن المنتظم الدولي أضحى مقتنعا بـ“مغربية الصحراء“، ويظهر ذلك جليا من خلال إقدام عدد من الدول على افتتاح قنصلياتها العامة في إقليم الصحراء، وكذا التنويه بمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمه الرباط.

ورأى أن المغرب لن يتنازل عن حقوقه في هذه القضية لأنه ”ملف سيادي“ والمملكة تتفاوض على الحلول.

وأوضح بودن أن التصريحات المكثفة الصادرة عن الرئيس الجزائري ووزير خارجيته حول ملف الصحراء لها مجموعة من الدلالات، أبرزها أن الجزائر طرف حقيقي في النزاع رغم أنها تنفي ذلك وهي تمتلك قرار ”البوليساريو“.

واضاف قائلا: ”في تقديري كان على الجزائر أن تعيد النظر في علاقتها مع المغرب لأن المملكة طرحت على الجارة الشرقية تحديا كبيرا يكمن في دعوتها إلى إرساء آلية للتواصل وتطوير العلاقات الثنائية، وألا تكون قضية الصحراء عائقا، وهو ما ظلت ترفضه الجزائر“.

ورأى المتحدث أن المغرب ”مستعد لمواصلة العمل مع الأمم المتحدة لإيجاد حل لهذا النزاع، والذي لن يتم إلا في إطار سيادة المغرب على صحرائه“، لافتا إلى أن مقترح الاستفتاء الذي تقدمه ”البوليساريو“ جد مستحيل لصعوبة تحديد هوية الأشخاص.

مكاسب مغربية

من جانبه يرى المغربي عبدالفتاح الفاتحي، مدير ”مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية“ أن ”إيجاد وسيط أممي تتوافر فيه شروط حسم أحد أعقد النزاعا الدولية مهمة صعبة“.

وأضاف الفاتحي في تصريح لـ“إرم نيوز“، أن ملف الصحراء تراجع ترتيبه في انشغالات الرأي العام الدولي، لافتا إلى أن ”تصنيفه في سلم تهديد الأمن والسلم الدوليين ضعيف للغاية بعد تأكد قناعة العالم من قوة المملكة في صناعة الاستقرار في المنطقة“.

ولهذه الاعتبارات يستطرد المتحدث، قائلا: ”لا توجد ضغوط قوية على الأمم المتحدة للإسراع في إيجاد وسيط أممي جديد، والواقع اليوم هو في صالح الموقف التفاوضي للمغرب، إذ من جهة أكد قوته الفعلية على الصحراء، ومن جهة ثانية اقنع المنتظم الدولي بأن لا حل إلا الواقعية السياسية أي احترام السيادة المغربية“، وفق تعبيره.

ورأى مدير ”مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية“، أن الموقف الجزائري يكشف عن يأس عميق في ملف لم يعد يستطيع التراجع عنه، ذلك أن المغرب لن يقدم للنظام الجزائري أي بدائل للتسوية من قبيل الاستفادة من ممر لتصدير النفط الجزائري عبر مرافئ الصحراء أو مساومات أخرى كتدبير الطموح السياسي والاقتصادي في المنطقة المغاربية وأفريقيا.

وأشار المتحدث إلى أن ”مرور الوقت كان في صالح الموقف التفاوضي للمغرب حتى أن خيارات القوة ضد المغرب جد ضعيفة“.

ويستمر النزاع في الصحراء الغربية بين جبهة البوليساريو التي تنادي بالاستقلال منذ خروج الاحتلال الإسباني عام 1975، والمغرب التي تعتبر الأقاليم المتنازع عليها جزء من الوحدة الترابية، بينما تدعم الجزائر مقترح الاستفتاء الشعبي لتقرير المصير تحت مظلة الأمم المتحدة، وتحتضن على أراضيها مخيمات للاجئين الصحراويين.

وشكّل الملف الصحراوي أزمة وتوترا مستمرين بين أكبر بلدين في المغرب العربي وشمال أفريقيا، وانعكس ذلك على حركية التعاون الثنائي بينهما والمتعدد ضمن إطار الاتحاد المغاربي المعطل؛ مع أن الاتحاد نفسه لم يطرح في تاريخه القضية الصحراوية على طاولة النقاش بشكل جدي وعلني، بحسب مراقبين.