حَملت زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة، تعزيزا للتعاون العسكري والدبلوماسي مع مصر، بعدما شهد مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي التوقيع على بروتوكول عسكري بين البلدين، في خضم تساؤلات بشأن انعكاسات ذلك على الوضع في مقديشو، ومدى ارتباطه بتعزيز الأمن بمنطقة القرن الإفريقي.
ويتسق البروتوكول الأخير مع آخر دفاعي مع تركيا أواخر فبراير الماضي، يتضمن دعم الأصول البحرية للدولة الواقعة في القرن الإفريقي، و”ردع” جهود إثيوبيا لتأمين الوصول إلى البحر عن طريق منطقة أرض الصومال.
ويستعرض محللون عسكريون وسياسيون، في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، دلالة الاتفاق العسكري بين مصر والصومال، وإن كان يؤثر ذلك على العلاقات الاستراتيجية بينهما.
ويرى المحللون أن القاهرة تضع نصب عينيها في المقام الأول الاتفاق بين إثيوبيا مع “أرض الصومال” يناير الماضي، والذي أثار انتقادات واسعة، ومن ثمَّ تسعى بشكل مباشر لتعزيز علاقاتها العسكرية مع الصومال بشكل خاص ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام؛ لمواجهة ما يمثله الاتفاق الإثيوبي من تهديدات لمصالحها وأمنها القومي، في حين استبعدوا أن يتعارض الاتفاق المصري الصومالي، مع اتفاق مقديشو مع أنقرة.
اتفاقات عسكرية.. وأزمة “صومالي لاند”
وقعت مصر مع الصومال، الأربعاء، بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين، إضافة لخطوات دبلوماسية وتجارية من بينها افتتاح السفارة المصرية في مقرها الجديد بالعاصمة مقديشو، وإطلاق خط طيران مباشر بين البلدين، بيد أن الجانبين لم يذكرا مزيدا من التفاصيل عن طبيعة هذا الاتفاق العسكري.
أكد الرئيس السيسي لنظيره الصومالي، موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية، ومواصلة العمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.
في المقابل، شدد شيخ محمود على حرص الصومال على المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية مع مصر خلال الفترة المقبلة، مثمناً دور الهيئات المصرية المختلفة في بناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات.
وسبق أن كشف الرئيس الصومالي أن بلاده طلبت من مصر توفير معدات عسكرية والتدريب الإضافي للقوات العسكرية والأمنية الصومالية، فضلاً عن الدعم الدبلوماسي وسط التوترات المتنامية مع إثيوبيا.
في حين، فإنه بموجب الاتفاق بين تركيا والصومال، ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية حتى تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل من التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة و”التدخل الأجنبي”، فضلًا عن إجراء مناورات وتدريبات عسكرية بحرية وجوية وبرية.
وتقضي الاتفاقية ببناء تركيا سفنا عسكرية وبيعها للصومال، وسيكون للقوات البحرية التركية الحق الكامل في استخدام الموانئ البحرية الصومالية الحالية، وإنشاء موانئ وقواعد عسكرية بحرية جديدة، فضلًا عن إنشاء قواعد عسكرية تركية وأخرى مشتركة في مقديشو التي ستتكفل بفتح أجوائها للاستخدام المدني والعسكري التركي.
تسارعت الخطوات الصومالية لتوقيع اتفاقيات عسكرية مع تركيا ومصر، بعدما تفاقمت التوترات مع إثيوبيا عندما وقّعت أديس أبابا مذكرة تفاهم مع “أرض الصومال” تمنح إثيوبيا – واحدة من أكبر الدول غير الساحلية في العالم – منفذاً بحرياً لطالما سعت إليه.
وسعت تركيا أن تكون وسيطًا بين الصومال وإثيوبيا، حيث استضافت، محادثات، يوليو الماضي، في محاولة لخفض منسوب التوترات المتصاعدة بين البلدين، على خلفية الاتفاق الذي رفضته مصر والدول العربية، وينتظران جولة جديدة من المفاوضات سبتمبر المقبل.
ما هدف اتفاق القاهرة ومقديشو؟
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، إن البروتوكول العسكري الذي جرى توقيعه بين مصر والصومال، يستهدف بشكل أساسي دعم القاهرة لمقديشو، ما يعني تحقيق هدفين مباشرين: الأول القضاء على الإرهاب ممثلا في منظمة الشباب التي خرجت من عنق الجماعات المتطرفة، والثاني وقف التغول الإثيوبي على الأراضي الصومالية، بعد الاتفاق “غير القانوني” بين أديس أبابا وصومالي لاند.
وعن مدى تعارض الاتفاقيتين العسكريتين لمصر وتركيا مع الصومال، شدد الخبير العسكري على أن “أنقرة لا علاقة لها بالاتفاق المصري الصومال على الإطلاق، بل تهدف مصر لتعزيز قدرات الجيش الصومالي للقضاء على الإرهاب ومواجهة التهديدات التي تمس سيادتها، ولهذا ستقوم مصر بإرسال قوات في إطار بعثة الأمم المتحدة للمساهمة في تأمين الصومال”.
اتفاق لمصالح استراتيجية
بدوره، اعتبر الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير علي الحفني، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “لا يوجد تعارض بين الاتفاق العسكري لمصر وتركيا مع الصومال، طالما كان الهدف واحدًا، بمساعدة مقديشو على استعادة سيادته واستقراره، والمساهمة في تعزيز الأمن والسلم بمنطقة القرن الإفريقي”.
وشدد الحفني على أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة “عادت بقدر كبير إلى مجراها الطبيعي بعد فترة من القطيعة”، إذ شهدنا عودة للمشاورات على أعلى مستوى، بعد زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لمصر، فضلا عن الزيارة المنتظرة للرئيس السيسي إلى تركيا.
وأشار الحفني الذي سبق أن شغل منصب نائب وزير الخارجية المصري، إلى أن “مصر تمتلك مقومات وقدرات كثيرة في مجال التأهيل والتدريب العسكري، وبالتالي ستساعد الصومال في تأهيل الجيش بما يُمكنه من مواجهة الإرهاب، والسيطرة على كافة مناطقها وسط التوتر الراهن”.
وأضاف أنه “حينما استشعر الصومال التهديد لسيادته وأمنه القومي، فكان من الطبيعي أنه يسعى لتوطيد علاقاته مع عدد من الدول والاستعانة بها لدعم جهودها من أجل استعادة الاستقرار، وإعادة بناء مؤسساتها بما في ذلك المؤسسة العسكرية”.
وأوضح أن “القرن الإفريقي يعد امتدادا للأمن القومي المصري”، ولذا سعت القاهرة لإبرام اتفاقيات أمنية وسياسية مع الدول بهذه المنطقة وخاصة الصومال، جيبوتي، إريتريا؛ للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.