جهد لا يتوقف، ونشاط مستمر، وأعين لا تغفل عن المراقبة والسهر على خدمة زوار المسجد الحرام، والحرص على أمنهم عبر تسخير الذكاء الاصطناعي في غرفة العمليات والمراقبة التلفزيونية، وتعمل التقنية الذكية ضمن منظومة العمل الأمني المتقن، فهناك أعين مسؤولة عن مراقبة الحرم في أروقته ومداخله وساحاته، ويعكف العاملون على متابعة حركة الزائرين وتوافد المعتمرين والمصلين إلى الأماكن المخصص ومنافذ الخروج ونقل الملاحظات كافة التي تقوم الكاميرات برصدها، أو حتى التي تأتي من قبل الميدان؛ لتتم معالجتها والتعامل معها.
وتعد غرفة العمليات، عين الأمن للقوة الخاصة لأمن المسجد الحرام، إذ تسهل متابعة كل ما يدور في المسجد والساحات، وإيصال التعليمات للعاملين في أمن المسجد، ورصد كل الأنشطة في المنطقة المركزية والشوارع الرئيسية ومحطات النقل العام ومداخل مكة المكرمة، كما تقوم الغرفة بدور كبير في إدارة وتنظيم حركة الحشود على مدار الساعة بالتنسيق المتواصل مع القيادات الميدانية الأمنية، لا سيما في أوقات الذروة.
إعادة تشكيل المفاهيم
مدير مركز المعلومات الوطني في الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) الدكتور عصام الوقيت، يقول: «إن العالم يشهد نهضة حقيقية في مجال المدن الذكية يكون الإنسان محورها الأساسي؛، بوصفه الغاية الأولى والأخيرة لجميع الجهود المبذولة، فثورة البيانات والذكاء الاصطناعي أعادت تشكيل مفاهيم تطور المدن على المستويات كافة، فعززت استدامة المدن وجودة الحياة فيها، ورفعت مستوى الأمن، وقفزت بالابتكار إلى مستويات غير مسبوقة».
وأضاف الوقيت: إن المدن الذكية تتميز بكفاءة إدارة التنقل والحشود فيها، وتعد السعودية من الدول الرائدة عالمياً التي تسعى الدول إلى الاستفادة من تجربتها في مجال تقنيات وأنظمة إدارة الحشود المعتمدة على البيانات والذكاء الاصطناعي، ويظهر ذلك جلياً في إدارة مواسم الحج، اذ قامت (سدايا) بتطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة تقوم بحصر أعداد الحجاج بسرعة فائقة ودقة عالية؛ لتسهيل إدارة وتنظيم حركة الحجاج، ومنع الازدحام والتدافع داخل الحرم، ولفت إلى أن حلول المدن الذكية القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والمعتمدة على الخوارزميات المتقدمة تُسهم في ضمان أعلى مستويات الأمن والسلامة لحجاج بيت الله الحرام.
وأشار الوقيت، إلى أنه على مستوى إدارة مواسم الحج، تسعى (سدايا) إلى تعزيز قيمة البيانات الوطنية على جميع المستويات، وتعمل من خلال بنك البيانات الوطني ومنصة استشراف بالاعتماد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحسين جودة البيانات وتعزيز مشاركتها بين الجهات الحكومية، وتحليل البيانات الضخمة لدعم متخذي القرار في الجهات الخدمية والأمنية في مواسم الحج، وتوفر لهم من خلال هذه المنصة حزماً من البيانات والتحليلات الدقيقة في مختلف المجالات، بما يدعم جهودهم الرامية لتطوير الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام بالتعاون مع وزارة الداخلية والجهات الحكومية ذات العلاقة.
مشاركة العنصر النسوي في التنظيم
الخبير الأمني اللواء متقاعد سالم المطرفي، أكد أن العمل داخل غرفة العمليات والمراقبة التلفزيونية في المسجد الحرام دؤوب ومتواصل ويعتمد على الذكاء الاصطناعي والتقنية الحديثة المتطورة والخبرات العملية والعلمية الكبيرة التي تتمتع بها القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة، والتي تبذل جهودها لخدمة قاصدي بيت الله الحرام لحفظ الأمن ومتابعة الأعمال التنظيمية والإرشادية وإدارة حركة الحشود أثناء وبعد الصلوات.
وبين المطرفي أن «جهود أفراد القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة في المسجد الحرام متنوعة داخل الحرم المكي وساحاته، ويشارك بها العنصر النسائي الذي يقدم دوراً بارزاً في خدمة قاصدات المسجد الحرام والحفاظ على الحالة الأمنية، وتقديم الخدمات الإنسانية والتوعوية على مدار الساعة ضمن خطة متكاملة تنفذها كوادر بشرية مؤهلة، وأجهزة تقنية، وكاميرات مراقبة رقمية، تدار من غرفة العمليات الخاصة بالقوات، لتحقيق أمن وراحة ضيوف الرحمن خلال وجودهم في مكة المكرمة».
سرعة في التخطيط واتخاذ القرار
وبيّن الخبير الأمني اللواء مسعود العدواني، أن القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة تعمل بالشراكة مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)؛ وهي شراكة إستراتيجية لتطوير عدد من الخوارزميات الهادفة إلى تحسين الخدمة المقدمة لقاصدي بيت الله الحرام، ويأتي ذلك في إطار ما يجده الحرمان الشريفان من متابعة واهتمام من الدولة لتسخير المنظومة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وهي إحدى أهم الأدوات التي تسهم في رفع الالتزام بمعايير هذه الخدمات وإدارة الحشود.
وشدد العدواني، على أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أسهم بشكل ملحوظ في تنظيم حركة المعتمرين والزوار أثناء الدخول والخروج للحرمين الشريفين، وفي سرعة التخطيط واتخاذ القرارات اللازمة لتنظيم تدفق الحشود وتأمين سلامتهم، مع التأكد من أن الكثافة مناسبة في جميع مناطق الحرمين، مع استشراف أي طارئ من شأنه تعطيل الخدمات ليتم التدخل السريع ومعالجته في وقته.
وأوضح اللواء العدواني أنّ الذكاء الاصطناعي يتيح توقع تصرّفات الحشود وُفق مشاعرهم. كما يسهل تطوير إمكانات تحليل الحشود وتحليل الصورة الإجمالية وإعطاء تقديرٍ سريعٍ ودقيقٍ لعدد الأشخاص في الصور، وتتبع تحركاتهم وتوزيعاتهم في الأماكن المزدحمة في الوقت الفعلي.
التمييز بين البشر والأشياء
العدواني قال: «إن أنظمة الذكاء الاصطناعي تستخدم مجموعةً من الصور والزوايا لتتعلّم كيفية تمييز البشر عن الأشياء وتحويل الصور إلى بيانات مفيدةٍ في اتخاذ القرارات بطريقة معينة». في هذه الفرصة ستطوّر نظاماً أو خوارزميةً لدعم حلول إدارة الحشود، يُمكن فيها أن توّظف رؤية الحاسوب وتحليل الصور وتحليل البيانات ومشاركتها في الوقت الفعلي، وإشراك الحشود في عملية الإدارة من خلال تزويدهم بالبيانات المهمة وتمكينهم من اتخاذ القرارات الذكية في تفعيل المساحات وتوزيع الازدحام ورسم المسارات، بناءً على وجهة الأشخاص ورغبتهم في الابتعاد عن مناطق الازدحام. كما يمكن من خلال الذكاء الاصطناعي أتمتة بعض مهمات عناصر الأمن البشري، كمهمات التعداد والتنبؤ بالمشكلات والاختناقات المحتملة، وتفعيل أنظمة التنبيهات لإرشاد الحشود.