اتفقت الشرائع السماوية على أن تحفظ للإنسان خمس ضروريات بها قوام حياته وعليها مدار وجوده؛ الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، لكن هناك من يبيع ضميره بحثاً عن الربح والكسب دون النظر إلى حفظ النفس الذي يعد مقصداً شرعياً ومبدأً إنسانياً أصيلاً.
إن (تصريح الحج) ليس مجرد بطاقة عبور للمنافذ إلى مكة المكرمة أو تذكرة مرور للمشاعر المقدسة، هو تنظيم لشؤون الحج وحفظ حقوق الحجاج. وأجمع أهل العلم على وجوب تعظيم حرمات الحرم والتحذير من إرادة المعصية فيه وفعلها.
ولقد شرف الله المملكة بخدمة الحرمين الشريفين، فقامت بمسؤوليتها خير قيام، وتجلَّى ذلك في مشروعات التوسعة المتتالية وتنفيذ البنى التحتية، وشق الطرقات والأنفاق، وغير ذلك مما يتصل بالخدمات المقدمة لقاصدي الحرمين الشريفين، في خطط مدروسة متكاملة تستوعب الحركة حجاجاً وعماراً وزواراً.
وسبق لهيئة كبار العلماء، أن أكدت على الالتزام بتصريح الحج، وأن التزام قاصدي المشاعر المقدسة بذلك يتفق والمصلحة المطلوبة شرعاً، والشريعة جاءت بتحسين المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، وأوضحت بأنه لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح.
تقليل مخاطر الازدحام والتدافع
الأنظمة والتعليمات تهدف إلى ترتيب استقبال الحجاج والعمار والزوار، وتنظيم حركتهم وتنقلاتهم؛ كي يؤدوا مناسكهم بيسر وسكينة وسلامة وأمان، منذ وصولهم حتى مغادرتهم. وما نظمته حكومة المملكة لهذه الغاية المقصودة شرعاً، هو تيسير شعيرة الحج، وألزمت باستخراج تصريح الحج لمن أراد، وحددت لذلك إجراءات معينة.
واطلعت هيئة كبار العلماء، على ما عرضه مندوبو وزارة الداخلية، ووزارة الحج والعمرة، والهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، من تحديات ومخاطر عند عدم الالتزام باستخراج التصريح، وأوضحت أن الإلزام باستخراج تصريح الحج مستند إلى ما تقرره الشريعة الإسلامية من التيسير على العباد في القيام بعبادتهم وشعائرهم ورفع الحرج عنهم، والإلزام باستخراج تصريح الحج إنما جاء بقصد تنظيم عدد الحجاج بما يمكِّن الجموع الكبيرة من أداء هذه الشعيرة بسكينة وسلامة، وهذا مقصد شرعي صحيح تقرره أدلة الشريعة وقواعدها. كما أن الالتزام باستخراج تصريح الحج والتزام قاصدي المشاعر المقدسة بذلك يتفق والمصلحة المطلوبة شرعاً، والشريعة جاءت بتحسين المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، ذلك أن الجهات الحكومية المعنية بتنظيم الحج ترسم خطة موسم الحج بجوانبها المتعددة، الأمنية، والصحية، والإيواء والإعاشة، والخدمات الأخرى، وفق الأعداد المصرح لها، وكلما كان عدد الحجاج متوافقاً مع المصرح لهم كان ذلك محققاً لجودة الخدمات التي تقدم للحجاج، فالتزام مريدي الحج بالتصريح يحقق مصالح جمة من جودة الخدمات المقدمة للحجاج في أمنهم وسلامهم وسكنهم وإعاشتهم ويدفع مفاسد عظيمة من الافتراش في الطرقات الذي يعيق تنقلاتهم وتفويجهم، وتقليل مخاطر الازدحام والتدافع المؤدية إلى التهلكة.
غايات لم تردع المتحايلين
أكد كبار العلماء أن الالتزام باستخراج التصريح للحج هو من طاعة ولي الأمر في المعروف، وكل النصوص تؤكد على وجوب الطاعة وحرمة مخالفة أمره، والالتزام باستخراج التصريح من الطاعة في المعروف، يثاب من التزم به ويأثم من خالفه ويستحق العقوبة المقررة من ولي الأمر. كما اطلعت الهيئة على الأضرار الكبيرة والمخاطر المتعددة حال عدم الالتزام باستخراج التصريح، ما يؤثر على سلامة الحجاج وصحتهم، وعلى جودة الخدمات المقدمة للحجاج وعلى خطط تنقلاتهم وتفويجهم بين المشاعر، وعلى غير ذلك مما يتصل بمنظومة الخدمات المقدمة للحجاج، وذلك يوضح أن الحج بلا تصريح لا يقتصر الضرر المترتب عليه على الحاج نفسه، وإنما يتعدى ضرره إلى غيره من الحجاج الذين التزموا بالنظام، ومن المقرر شرعاً أن الضرر المتعدي أعظم إثماً من الضرر القاصر.
وهذه الغايات السامية لم تردع شركات سياحية في بعض الدول، التي غررت بحاملي تأشيرات الزيارة القادمين إلى المملكة وشجعتهم على مخالفة الأنظمة في الحج، زاعمةً إدخالهم المشاعر المقدسة، وتعهدت لهم بالدخول إلى مدينة مكة المكرمة قبل الإغلاقات بـ25 يوماً من يوم الوقوف بعرفات، وتأمين المواصلات إلى مكة ذهاباً وإياباً، وتأمين التفويج الكامل للحملة إلى جبل عرفات، ثم إلى مزدلفة والجمرات، والإقامة في فندق بمنطقة العزيزية، قبل أن تتخلى عنهم.
الأردن: توقيف 19 ومنع 10 من السفر
في الأردن، أوقفت السلطات عدداً من المشتبه بهم بتوريط أردنيين للسفر لأداء الحج خارج إطار البعثة الرسمية الأردنية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية. وأعلنت الأمانة العامة في المجلس القضائي في الأردن نتائج التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة في قضية سفر أردنيين لأداء مناسك الحج خارج البعثة الرسمية خلال العام الحالي 2024م.
وأوضحت السلطات الأردنية، أن النيابة العامة وبنتيجة التحقيق، أسندت جناية الاتجار بالبشر بحق 28 مشتكى عليه.
وأكدت وكالة الأنباء الأردنية، أن النيابة قررت توقيف 19 شخصاً، من بينهم سيدة، ومنع 10 أشخاص من السفر على ذمة القضية. واستخدمت النيابة العامة صلاحيتها بتفعيل التدابير القضائية في قانون منع الاتجار بالبشر، وذلك بإغلاق الشركات التي قامت بدور بارز في مخالفة القانون وتسهيل الحج دون تصريح، كما أصدرت قرارها بالحجز على المتحصلات الجرمية التي كانت ثمرة للحج بهذه الطريقة.
وكشفت الأمانة العامة الأردنية أن التحقيقات الأولية للنيابة العامة، بينت قيام بعض الأشخاص من مالكي شركات خاصة مرتبطة بعمليات نقل المسافرين ومالكي شركات حج وعمرة أو عاملين في هذا المجال باستقطاب ونقل وإيواء العديد من المواطنين الأردنيين لزيارة مكة المكرمة خلال موسم الحج، وذلك دون وجود تصاريح لأداء مناسك الحج وخارج إطار البعثة الرسمية في بداية الشهر الخامس؛ أي قبل موسم الحج بشهر كامل، وبتصاريح زيارة لا تخولهم الحج، مع علم تلك الشركات والأشخاص القائمين عليها بأن التصاريح التي تم استصدارها للحجاج لا تُخولهم لأداء مناسك الحج، وذلك مقابل مبالغ مالية تقاضوها عن كل شخص قاموا بإرساله للحج بهذه الطريقة.
وكشفت تقارير إعلامية سيناريو التغرير ببعض الأردنيين عبر شركات الحج والعمرة؛ التي أطلقت مئات الحملات بتأشيرات زيارة متعددة المرات، مع إبرام تعهدات بتوفير كل خدمات الحجيج مقابل مبالغ مالية مختلفة.
وروى عدد ممن وقع ضحية تلك الشركات أنها تعهدت لهم بالدخول إلى مكة المكرمة قبل الإغلاقات بـ25 يوماً من يوم الوقوف بعرفات، وتأمين المواصلات إلى مكة ذهاباً وإياباً، وتأمين التفويج الكامل للحملة إلى جبل عرفات، ومن ثم إلى مزدلفة والجمرات والإقامة في فندق بمنطقة العزيزية.
مصر: توقيف 16 شركة
في مصر، أمر رئيس مجلس الوزراء مصطفي مدبولي، بسحب تراخيص 16 شركة سياحة لتحايلها لتسفير الحجاج إلى السعودية، وإحالة مسؤولي هذه الشركات إلى النيابة العامة، مع تغريم هذه الشركات. وأوضح أنه سيتم فتح تحقيق مع أي شركة رتبت سفر هؤلاء بعيداً عن الأطر النظامية، وتحايلت لتنظيم السفر للضحايا بصورة غير رسمية، ولم توفر لهم الخدمات اللوجستية، مشيراً إلى أنه سيتم اتخاذ قرارات حاسمة، وتوقيع أشد العقوبات، التي تسهم في عدم تكرار هذه المخالفات مرة أخرى.
ليست شهادة عبور.. بل أداة للأمان والتيسير
أكد المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية العقيد طلال الشلهوب، أن شركات سياحية في بعض الدول غررت بحاملي تأشيرات الزيارة وشجعتهم على مخالفة الأنظمة في الحج، وأن العمل المسبق في تكثيف الحملات الإعلامية والتوعوية حذر من الحج بلا تصريح، وشدد العقوبات على المخالفين للأنظمة، مشيراً إلى أنه تم استغلال البعض لتأشيرات الزيارة بمختلف أنواعها والتأشيرات غير المخصصة للحج.
وأوضح الشلهوب أن شركات سياحية في عدد من الدول الشقيقة أسهمت في التغرير بحاملي تأشيرات الزيارة بأنواعها، وقامت بمنحهم تأشيرات غير مخصصة للحج، وشجعتهم على مخالفة الأنظمة والتحايل عليها، والبقاء في العاصمة المقدسة قبل موسم الحج بشهرين، غير آبهين بسلامتهم والظروف التي من الممكن أن يواجهوها نتيجة اعتمادهم أساليب التنقل البدائية في المناطق الوعرة وسط الأجواء اللاهبة التي تُعد أعلى درجة حرارة تُسجّل منذ نحو 10 سنوات.
وأشار الشلهوب إلى أن تصريح الحج ليس مجرد بطاقة عبور للمنافذ أو نقاط الفرز، وإنما وسيلة وأداة مهمة تسهل الوصول للحجاج والتعرف على أماكنهم؛ لتقديم الرعاية والخدمات المطلوبة في الوقت المطلوب، مؤكداً أن عدم وجود التصريح كان تحدياً أمام الوصول للمخالفين، وعائقاً لتقديم الخدمة لهم أو رعايتهم.
وبين المتحدث الأمني العقيد الشلهوب، أنه تم الإعلان وبشكل مستمر عبر حساب الأمن العام عن ضبط قوات أمن الحج داخل المملكة لمن يروجون لحملات الحج الوهمية، وإحالتهم للنيابة العامة لتطبيق الأنظمة بحقهم، مثمناً ما أعلنته بعض الدول الشقيقة باتخاذها إجراءات صارمة تجاه تلك الشركات، وما عملت عليه من إجراءات تصحيحية للقضاء على محاولة تكرار تلك المخالفات.
المفتي: محرم شرعاً
أكد مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز عبدالله آل الشيخ، أن أداء فريضة الحج دون تصريح محرم شرعاً، وبين أن قرار وجوب حصول الحاج على تصريح لم يصدر عبثاً، وإنما لكثرة التقارير التي تأتي بشكل يومي لولي الأمر عن الزحام وكثرة الحجاج، فتم إصدار القرار، وأن الموضوع قد تم عرضه على هيئة كبار العلماء في عهد الشيخ عبدالعزيز عبدالله بن باز، فاكتسب الأغلبية، إذ أصدرت الهيئة قرارها، مؤكداً أنه يجوز لولي الأمر تنظيم المدة لخمس سنوات، وأن من أدى فريضة الحج من المواطنين والمواطنات فعليهم أن يلزموا الانتظار، لافتاً إلى أن التحايل على الأوامر والأنظمة لا يجوز أبداً.
من جانبه، أكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق، أنه لا يجوز الحج دون تصريح، مشيراً إلى أنه يجب طاعة ولي الأمر في تنظيم الحج والصبر على ذلك. وقال المطلق، في منشور عبر حسابه بمنصة (إكس): «يجب طاعة ولي الأمر في تنظيم الحج والصبر على ذلك، ولو خالف الهوى، ولا يجوز الحج بدون تصريح، فإن تنظيم أمور الحج وتخفيف الزحام من مسؤوليات ولي الأمر».