عام واحد انقضى على رحيل الملكة إليزابيث الثانية، مر فيه البريطانيون من مرحلة الشك والترقب إلى الاطمئنان الذي قد يصل إلى الإعجاب.
فتشارلز الثالث، الذي ظل وليا للعهد قرابة 64 عاما، رغم أنه لم يتتبع خطى والدته الراحلة، إلا أنه بدا يسير بثبات نحو ختم شخصيته وطباعه على “عمله الملكي” الذي نال به ثقة الناس.
ثقة تبدد المخاوف
كانت الملكة الراحلة شخصية شديدة الوقار، وحكمت لفترة طويلة، لدرجة أن المقربين من الملك كانوا متخوفين بشكل مفهوم من كيفية رد فعل الجمهور على الملك الجديد.
واعترف المسؤولون في قصر باكنغهام، أنه عندما اعتلى الملك العرش قبل عام، كان هناك نوع من التوتر بشأن ما قد يخبئه المستقبل.
وقال مصدر على صلة جيدة بالملك لصحيفة “تايمز” البريطانية: “قبل اعتلائه العرش، كان من الواضح أنه كان هناك الكثير من التوتر بشأن ما سيحدث للبلاد بعد وفاة الملكة. ومن المؤكد أنه كان هناك توتر حول كيفية قبول الناس له في تلك الأيام القليلة الأولى”.
ومع ذلك، في غضون يوم واحد من وفاتها، عندما ألقى الملك خطابه الأول للأمة، والذي تحدث فيه عن “حزنه العميق” لفقدان “والدته العزيزة”، بدأ هذا التوتر في التبدد.
وقال المصدر: “على الفور بدأت الأمور تستقر”. منذ ذلك الحين، يقول المصدر، أثبت الملك أنه واثق من نفسه، ومكّن الجمهور من إعادة التركيز على القضايا التي يناصرها، بما في ذلك البيئة.
ويبدو أن هذا هو ما تؤكده استطلاعات الرأي، فقد وجد استطلاع حديث أجرته مؤسسة يوجوف أن 59% من الناس يعتقدون أن الملك يقوم بعمل جيد.
كيف اختلف تشارلز؟
ولم يسر تشارلز على خطى سياسة والدته الملكة الراحلة، التي اعتمدت “مبدأ الغموض”، وكانت نقاط قوة الملكة هي “البقاء مستقلة، والبقاء بعيدة عن السياسة”.
وعلى عكسها، بدا تشارلز أكثر انفتاحا على النزهات والتجول، وإظهار مشاعره وعواطفه، والاختلاط بالعامة، وبذل قصارى جهده في عامه الأول على ذلك.
فقد أمضى وقتًا مع مجموعة واسعة من الطوائف الدينية، فضلاً عن المجتمعات العرقية المختلفة، وأظهر بالأفعال وليس فقط بالكلمات أنه يدرك أنه جزء من المجتمع، بحسب مصدر مقرب منه.
وبعد أسابيع قليلة من اندلاع الفوضى في مركز مانستون للمهاجرين في كينت، الذي أثار جدلا واسعا في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل بعد وفاة مهاجر فيه، والكشف عن إقامة 4000 مهاجر فيه (في حين تبلغ سعته القصوى 1600 مهاجر)، جلس الملك لتناول كوب من الشاي مع اللاجئين الذين فروا من الصراع في أوكرانيا وسوريا وأفغانستان.
وبحسب المقربين من الملك فقد تغير أسلوب الارتباطات الملكية، فتشارلز أكثر سهولة في الوصول إليه، وأكثر وضوحا، وأكثر انفتاحا للتفاعل مع الجمهور من والدته، وهذا ما انعكس خلال حفلات الاستقبال التي أجراها.
ويقول أحد المقربين منه: “ببطء، ولكن بشكل لا لبس فيه، طبع تشارلز شخصيته على المنصب بالمواضيع التي تهمه، مثل الكومنولث، وتغير المناخ، والثقافة، والمجتمع”.
وتابع: “على عكس الملكة الراحلة، التي كانت أكثر غموضًا من ابنها الأكبر، يعرف الجميع ما يؤمن به الملك وعواطفه”.
تغييرات كبيرة
ويعتقد روبرت لاسي، المؤرخ الملكي، أن “الملك أدخل تغييرات مهمة في كيفية أداء الملك لدوره، كما أصبح ذلك واضحًا عندما زار الرئيس بايدن قلعة وندسور في يوليو/تموز الماضي”.
“لم يكن اللقاء دافئًا على المستوى الشخصي فحسب، بل كان اجتماعًا جوهريًا عندما استمع الرجلان إلى إحاطة من المشاركين في اجتماع تمويل المناخ الذي انعقد في وقت سابق خارج القلعة”.
فبحسب لاسي: “لم يأت بايدن من أجل فرصة التقاط الصور المعتادة مع أحد أفراد العائلة المالكة، وهو ما يحبه جميع الرؤساء الأمريكيين، لقد جاء بسبب مؤهلات تشارلز المناخية”.
وتابع: “أجد ذلك رائعًا، فقد كان الرئيس الأمريكي يتحدث مع الملك تشارلز حول قضية جوهرية، وهو ما لم يكن ليحدث مع الملكة”.
وتابع: “لدينا ملك مستقل يمكنه إعطاء ثقل للقرارات السياسية لحكومة منتخبة، ولقد اعتبرنا دائمًا أنه من المسلم به أن الخطاب الملكي لا ينبغي أن يكون فيه أي شعور، ولكن في الواقع أظهر تشارلز القدرة على التعبير عن المشاعر في حديثه، وتكمن قوة خطاباته المبكرة في عهده في أنها تحتوي على مشاعر”.
ولفت إلى أنه “حتى لو لم يتغير النظام الملكي بشكل جذري، فقد أظهر الملك أنه، في سن 74 عامًا، قادر على التغيير الشخصي، فهو ليس شخصًا أبدى اهتمامًا كبيرًا بسباق الخيل من قبل، على عكس والدته، لكنه فاجأ الناس بشدة عندما حضر سباق الخيول (رويال أسكوت) على مدار 5 أيام”.
“حماسة كبيرة”
وبالنسبة لتشارلز، الذي أصبح ملكاً قبل عام، فإنه في حالة ازدهار تام، وبحسب ما قاله شخص يعرفه جيدا لـ”التايمز”، فإنه “يبدو أصغر بـ10 سنوات ولديه إحساس حقيقي بالهدف من منصبه”.
واستطرد: “ربما لا يكون هذا مفاجئا، لأن تشارلز ومستشاريه كانوا يخططون لوظيفته الجديدة لسنوات. وكان المسؤولون يرسمون ما سيفعله في الأشهر القليلة الأولى من ولايته – الصورة الشاملة، وليس التفاصيل الفعلية – مما يعني أن كل ما حدث خلال العام الماضي لم يكن عن طريق الصدفة”.
فيما قال مصدر آخر، إن “لديه شهية هائلة للعمل، ولقد فاجأ من في قصر باكنغهام بحجم العمل الإضافي المتوقع من الناس”.
ما دور زوجته الملكة؟
وكانت كاميلا، حتى وقت ليس ببعيد، علامة استفهام حول ما إذا كانت ستصبح ملكة حقيقية، لكن الآن، وفقًا لمعظم المراقبين تبدو “واثقة بشكل متزايد في أداء هذا الدور”.
وكان من الملاحظ مؤخرًا أنها أخذت بعض الوقت بعيدًا عن استراحة الزوجين في قلعة بالمورال، لكن على حد تعبير أحد المصادر، فهي “تخفف العبء” عن الملك.
وأضاف: “إنهما يستمتعان بصحبة بعضهما البعض. ويظلان أفضل مستشار لبعضهما البعض. وفي لحظات الشك أو القلق، يقوم كل منهما بحل مشاكل الآخر”.