مساهمات نوعية للقطاع الرقمي في الوصول للانبعاث الصفري بالمملكة

تنتج النشاطات الاقتصادية البشرية اليوم ما يعرف بالغازات الدفيئة، وتعرّف البصمة الكربونية على أنها مؤشر اقتصادي بيئي لقياس انبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروجين الثنائي وبخار الماء، الناتجة عن النشاطات الاقتصادية. وتعمل الغازات كحواجز تحتفظ بالحرارة قرب سطح الأرض مسببة احتباس الحرارة وعدم انطلاقها في الفضاء الخارجي، وبالتالي ارتفاع حرارة الأرض وحدوث التغير المناخي. ومع التغير المناخي، تزيد حموضة الأمطار والبحار والمحيطات وترتفع حرارتها، إلى جانب ذوبان الكتل الجليدية في القطب الشمالي، وتمدد التصحر. ووفقاً لأحدث تقارير وكالة الطاقة الدولية، نمت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية عام 2022 بمعدل 0.9% لتبلغ 36.8 مليار طن.

ورغم أن الدول الكبرى ذات الكثافة السكانية والإنتاج الصناعي الهائل مثل الصين والولايات المتحدة والهند ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا، هي الأكثر إطلاقاً للانبعاثات، إلا أن الدول ذات التعداد السكاني الأقل والتي تشهد تطورًا اقتصاديا كالسعودية والبرازيل والمكسيك، صارت معنية بالنهوض بأعباء التغير المناخي مع زيادة حصتها من الناتج الإجمالي العالمي ونمو نشاطها الاقتصادي.

ولا تصنف الانبعاثات الصادرة عن العمليات التشغيلية والإنتاجية، وبخاصة الكربون، بمقياس واحد، بل إنها توضع ضمن نطاقات مختلفة. وعلى سبيل المثال، فإن مجموعة stc، ممكن التحول الرقمي في المنطقة، تضع الانبعاثات ضمن 3 نطاقات عند الحديث عنها. وبالنسبة لانبعاثات النطاق 1، فإنها تلك الصادرة عن العمليات التشغيلية المباشرة مثل النقل والتصنيع. أما النطاق 2، فيمثل الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن شراء الطاقة، التي لا تولدها المنشأة مباشرة، لكنها تستهلكها كالكهرباء. أما النطاق 3، فهو الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن كامل سلسلة القيمة خارج النطاق 2، مثل الانبعاثات الصادرة عن تصنيع الأجهزة والأدوات القادمة من الموردين.

السعودية تقود جهود خفض الانبعاثات

في أكتوبر 2021، أطلقت المملكة العربية السعودية تعهداً تاريخياً جريئاً بالوصول إلى انبعاث صفري بحلول عام 2060 من خلال استثمار 700 مليار ريال (186.7 مليار دولار) في مبادرات الاقتصاد الأخضر، وتحديد مستهدف تشجير طموح، يتمثل بزراعة 600 مليون شجرة بحلول عام 2030 مع تحويل 30% من مساحاتها البرية والبحرية إلى محميات طبيعية عبر مبادرة السعودية الخضراء.

وعام 2021، بلغت الانبعاثات الصادرة عن مجمل النشاط الاقتصادي والبشري السعودي نحو 586.4 مليون طن، إلا أن المملكة، تعهدت بتقليصها بمقدار 278 مليون طن سنوياً بحلول 2030. كما شرعت بتأسيس أكبر مجمع عالمي لالتقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، فيما يبدأ عملياته عام 2027.

القطاع الرقمي يتصدى

في منتصف يونيو 2023، شارك ائتلاف سعودي كبير يضم 16 شركة من عمالقة القطاعات مثل مجموعة stc وأرامكو السعودية والبنك الأهلي والشركة السعودية للكهرباء وغيرها، في مزاد لبيع نحو 2.2 مليون طن من أرصدة ائتمان الكربون، التي ساهمت بتمويل مشاريع توريد مواقد طهي نظيفة بالمنطقة.

كما انضم القطب البارز في القطاع الرقمي السعودي، مجموعة stc، عام 2019 إلى الجهود الوطنية لتقليص الانبعاثات، وصولاً إلى تصفيرها عام 2050، وذلك عبر إطلاق استراتيجية الاستدامة، التي تستهدف تقليل انبعاثات النطاقات 1و2 و3، مروراً بتأطير حدود وأثر انبعاث النطاقين 1و2 عام 2020 وإطلاق برنامجين خاصين بهما، ثم تطوير برنامج لحصر الغازات الدفيئة الصادرة عن أعمال المجموعة عام 2021، وتحسين إجراء إدارة بيانات الانبعاثات عام 2022، وتفضيل المحتوى المحلي لتخفيف الانبعاث القادمة من المواد المستوردة والحد من التكلفة البيئية للأعمال.

وفقاً لتقرير الاستدامة 2022 الصادر عن مجموعة stc، تعتزم المجموعة تقليص انبعاثات النطاق 1 بنسبة 50% بحلول عام 2027. حيث حققت تقدماً طفيفاً في خفض انبعاثات النطاق1 إلى 1,361 مليون طن عام 2022 هبوطاً من 1,379 مليون طن عام 2021. كما هبطت انبعاثات النطاق 2 إلى 1.175 مليون طن عام 2022، بعد أن كانت 1.176 مليون طن عام 2021؛ رغم نمو الأعمال، وهو تحدّ جدي في الموازنة بين مصالح الأعمال وحماية البيئة.

ويوضح التقرير أن المجموعة عازمة على تخفيض انبعاثات النطاقين 1 و2 مجتمعين بنسبة 47% بحلول عام 2030. وتهدف إلى الوصول إلى الحياد الكربوني وتصفير الانبعاثات لجميع العمليات التشغيلية للمجموعة بحلول عام 2050.

ويبرز جلياً التحدي الأكبر الذي يواجه القطاع الخاص السعودي في المواءمة بين إحراز النمو وتقدم الأعمال من جانب، والمساهمة الفاعلة في محاربة المناخ. ومن المؤكد أن السيطرة على حجم الانبعاثات بعدم الزيادة أو التقليص، ولو كان طفيفاً، يعد نجاحاً مرحلياً، يحتاج إلى تعزيزه بالابتكار والاعتماد على الطاقة المتجددة وإشاعة ثقافة الاستدامة والاستعداد لعصر جديد من الممارسات المعززة للبيئة.

السعوديةرئيسي