رغم أناقة الصورة ومحاولة إضفاء الطابع الكوميدي على فيلم “ربما أفعل” (Maybe I Do)، فإن الأزمة التي يعالجها ألقت بظلالها على أجواء العمل، خاصة أنه يعلن بوضوح عن فشل منظومة العلاقات الاجتماعية في الثقافة الغربية، والمتمثل في عدم احترام رابطة الزواج، الذي يكاد ينقرض بدوره، ليس فقط لصعوبة الطلاق، ولكن لما يترتب عليه من تبعات اقتصادية؛ وبالتالي قضاء العمر في علاقة بلا سند شرعي أو قانوني.
يشارك في الفيلم -الذي يعرض حاليا على شبكة نتفليكس- مجموعة من أبرز وألمع نجوم هوليود الذين داهمهم قطار الوقت، فدفعهم كبر السن إلى القبول ببطولة جماعية في فيلم اجتماعي، وهم ديان كيتون وريتشارد جير وسوزان ساراندون ووليام ميسي. وكتب الفيلم وأخرجه مايكل جاكوبس.
وتدور أحداث الفيلم خلال ليلتين، ويقدم أبطاله الستة في ثنائيات. تقضي غريس (تلعب دورها ديان كيتون) الليل في الدردشة مع سام (يلعب دوره ويليام ميسي)، الذي كان يبكي وحده في دار عرض.
زوج غريس وزوجة سام هما هوارد (ريتشارد جير) ومونيكا (سوزان ساراندون) معًا في فندق فاخر، وهما على وشك إنهاء العلاقة الغرامية التي نشأت بينهما خلال الأشهر الأربعة الماضية.
في هذه الأثناء ، كان ابناهما ألين (لوك براسي) وميشيل (إيما روبرتس) يتواعدان لفترة طويلة لدرجة أنه أثناء حفل زفاف صديقتهما كانت وصيفة الشرف الوحيدة التي تريد التقاط الباقة حتى يكون دورها في الزواج من ميشيل، لكنه يسبقها إلى الباقة ليخيب أملها.
بداية مبشرة
يقدم المخرج مايكل جاكوبس شخصياته كاشفا عن أعمق أسرارها منذ اللحظة الأولى. فثمة قاعة عرض شبه خاوية، يعرض فيها مشهد لرجل وحيد يشكو من الوحدة رغم أنه قضى أغلب سنوات عمره متزوجا، وبينما ينتهي المشهد، يظهر رجل يبكي هو سام واضعا أمامه وعاء كبيرا مملوءا بالفشار، وتلاحظه امرأة وحيدة هي غريس، فتقترب منه متسائلة عن سبب بكائه، لتبدأ علاقة بين عجوزين وحيدين.
وفي المشهد التالي، ثمة غرفة بأحد الفنادق الفاخرة يقيم فيها لليلة واحدة رجل هو هاوارد وامرأة هي مونيكا. تقبل المرأة بشوق على الرجل، لكنه ينفر منها مشيرا إلى أنه يبحث عن شيء مختلف عما يحدث في الحياة الزوجية، ومن ثم ينتهي الحوار إلى انصرافه وإنهاء العلاقة بعد أن يكتشف أن الملل واحد في الزواج وفي الخيانة أيضا، لكن المرأة تهدده بالقتل بطريقة لا تبدو جدية.
ثم تتسع الصورة ليظهر كل من ميشيل وألين بقصتهما التي توشك أن تبدأ، لكن ميشيل يتردد في اتخاذ قرار الزواج، رغم اعترافه بأنه يحب فتاته، وسؤاله الرئيسي هو: كيف أضمن أن أستمر في حبها سنوات طويلة؟
6 شخصيات في الفيلم، قام المخرج والمؤلف ببنائها طبقا للنماذج الموازية في المجتمع، فثمة امرأة ترغب في الخيانة، وتمارس الحياة بنزق وجنون ودون دوافع أخلاقية، وأخرى ترفض خيانة زوجها بينما ترتدي خاتم زواجها منه، أما الرجلان فأحدهما مدفوع بالملل من دون أطماع جسدية، والآخر معذب بالوحدة. تبقى آلين التي أحبت ميشيل، فأرادت أن تقضي حياتها معه، وميشيل الذي يحب لكنه يخشى أن تتغير مشاعره تجاه زوجته في ما بعد.
أين ضوء الشمس؟
لا يوجد ما يسمي التصوير النهاري في العمل، وهو ذلك الذي يتم في ضوء النهار من دون جدران أو أسقف تحجب ضوء أشعة الشمس، لكن الفيلم بكامله لم ير الشمس، وصور معظمه بين الجدران، وحتى الشارع الوحيد الذي التقط له مشهد قصيرة كان عبارة عن زقاق مظلم بين أبنية عالية، وتم تصويره من أعلى ليلا، بالإضافة إلى مشهد سار خلاله كل من سام والد العريس وغريس والدة العروس معا ليلا كرمز لتحرر جزئي من قيود الحياة المملة ذات الأفق المغلق في منزل الزوجية.
يظهر الزواج في صورة سجن نفسي في رؤية مايكل جاكوبس الفنية، ورغم سطوع أضواء البيوت، فإن أصحابها يعيشون في ليل دائم وغموض وانعزال، وصل إلى حد دهشة غريس والدة العروس حين أعاد زوجها التفكير في علاقته بها، وقرر أن يقيم حوارا معها، فعبرت عن دهشتها بسخرية شديدة، متسائلة: يبدو كأنك تقيم حوارا معي؟!
جاءت مبادرة المخرج بكشف أسرار الزوجين، لتصنع فوضى حقيقية في ذهن المشاهد الذي تجاوز مرحلة الهمس في أذن البطل بالحقيقة، وهي تقنية لا تصلح -بشكل عام- إلا مع أفلام الرعب، والأسوأ أن المونتاج أصبح فوضويا بسبب البداية التي تبدو قوية، لكنها في الحقيقة عبارة عن طبلة فارغة تصدر صوتا عاليا.
عالم غائم
صوّر الفيلم ذلك العالم الغائم الذي يعيش فيه المتزوجون في الغرب، حيث يلتقون ليلا لدقائق لا تكفي لتحية المساء أو يجلسون مع شعور بالملل لا يفارقهم، يحتدون على بعضهم في الجملة الثانية للحوار، ويحاولون حماية أبنائهم من بعضهم.
كشف جاكوبس أيضا -كعنصر داخل العمل- عن التناقضات التي تتضمنها الثقافة الغربية الحديثة حول مفهوم الخيانة ومفهوم الحب، وصنع بلعبته الدرامية مشهدا عبثيا بامتياز يتكرر في أعمال غربية كثيرة على استحياء.
فقد علم الزوج أن زوجته كانت برفقة شخص آخر، فتساءل للحظات عما ينبغي أن يفعله، ثم قرر طبقا -لما يعرفه- أن يقتل غريمه، لكنه أدرك بعد لحظات -بعد نصيحة غريمه أيضا- أن يعتذر لزوجته الخائنة لأنه من دفعها للخيانة.
ولم يكن اختيار اللون الأحمر بدرجاته، ليكون اللون الغالب على الفيلم، اعتباطيا أو مرتبطا بذلك القرب المكاني من بيوت البغاء حول دار العرض التي ارتادها الابن، لكن ثمة ضوءا أحمر صادرا من الفيلم حول مجتمع قارب على الانفجار نتيجة فقدان السيطرة، وانعدام الشعور باليقين وعدم القدرة على منح الثقة للآخر.
“ربما أفعل” تجربة أولى لمخرجه الشاب، ولقاء مع مخضرمين من أمثال ريتشارد جير وسوزان ساراندون، لذك ظهرت في ملامحها صراحة الشباب وحماسه، كما أقيمت فيها مباريات تمثيل رائعة بين الأزواج والزوجات، لكنها تبقى أقرب إلى المسرحية التي أخذت عنها وكتبها مايكل جاكوبس أيضا.