مشهد الحجاج الأبيض حين لبسهم رداءً و إزارا أبيضين مرددين تلبيات متتالية، ودعوات عالية، وخشوع وترقب لساعة الإجابة، مشاهد ازدانت بها أرجاء مشعر عرفات المقدس، مرددين “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”، هكذا كانت أصوات الحجاج حين صعودهم جنبات “جبل الرحمة” في مشعر عرفات، اليوم، رافعين أكفهم بالدعاء تسبقها الدموع والأمنيات، ليستعدوا بعد غروب الشمس بالنفرة إلى مشعر مزدلفة والمبيت فيها.
ويعتبر جبل الرحمة أو جبل عرفات من أشهر جبال مكة المكرمة الدينية والتاريخية، وهو أكمة صغيرة يصعد إليها الحجاج يوم عرفة للوقوف بها، حيث وقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – على الصخرات الكبار المفترشة في طرف الجبل، واستناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلم: “وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف”.
ويعرف هذا الجبل بجبل الرحمة، وتعرّفه كتب الجغرافيا الإسلامية بجبل إلال ويسمى أيضاً بالنابت، وربما أطلق هذا الاسم الأخير على الصخرات التي وقف عليها الرسول، صلى الله عليه وسلم.
وجبل الرحمة جبل صغير بالنسبة لما حوله من الجبال لا يزيد ارتفاعه عن 30 متراً وفي أعلاه شاخص محدث ليكون علماً يستدل به بارتفاع 4 أمتار، وهذا الجبل يقع إلى الشمال من ساحل عرفات وخارج حدود أعلام الحرم صعب المرتقى، لذلك عملت فيه درجات توصلك إلى أعلاه بلغت 91 درجة.
وقد غلب على اسم هذا الجبل اسم جبل الرحمة، وهكذا عرفه عامة المسلمين، وفي حديث حجة الوداع أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العصر ركب راحلته القصواء، حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته إلى الصخرات واستقبل القبلة، فلم يزل الرسول، صلى الله عليه وسلم، واقفا بالهضبات حتى غاب قرص الشمس وهو يقول: “وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف”، ونزل عليه النص القرآني: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”.