كتب : زاهي حواس
تميزت أرض المملكة العربية السعودية بموقعها الجغرافي المتميز في شبه الجزيرة العربية، وإلى جانب الموقع وخصائصه الفريدة من حيث قربه واتصاله بأقدم المناطق الحضارية في الشرق القديم – مصر وبلاد النهرين – فقد توافرت مقومات الحياة وبناء الحضارة على أرض المملكة العربية السعودية؛ ولذلك قامت العديد من الحضارات على تلك الأرض منذ آلاف السنين، إضافةً إلى أنها كانت ملتقى الكثير من حضارات الشرق الأدنى القديم لأغراض التجارة.
إن الكشف الأثري الذي كان له صدى علمي كبير، وهو العثور على نقوش بعثة تجارية للملك رمسيس الثالث بواحة تيماء، يؤكد على وصول الفراعنة وتواصلهم التجاري المباشر ودون وسيط بأرض المملكة منذ 3 آلاف سنة.
تركت الحضارات التي قامت على أرض السعودية آثارها المادية والثقافية والدينية في مناطق متفرقة؛ الأمر الذي جذب إليها أنظار المتخصصين في علوم الآثار لاستكشاف هذا المكوّن الحضاري الثري وكنوزه، حتى نتمكن من قراءة مراحل التاريخ الإنساني والنشاط البشري على أرض المملكة، ومقارنته بآثار الحضارات الأخرى التي قامت في مناطق وقارات أخرى بالعالم.
لقد أظهرت الاكتشافات الأثرية أن الاستقرار الأول للإنسان على أرض المملكة يعود إلى أكثر من مليون سنة ماضية، وهي الفترة التي يطلق عليها اسم «العصر الحجري القديم». وقد عثر العلماء على آثار ذلك العصر في العديد من المواقع بالمملكة العربية السعودية، سواء في موقع الشويحطية بمنطقة الجوف الذي يؤرخ بـ1.3 مليون سنة، والذي قمتُ بزيارته من قبل، وتشرفتُ بالتعرف عليه عن قرب من خلال علماء هيئة التراث بالمملكة، وكذلك موقع صفاقة بالقرب من الدوادمي بمنطقة الرياض الذي يؤرخ بـ230.000 سنة مضت، وكذلك وادي فاطمة بمنطقة مكة المكرمة.
استمر «العصر الحجري القديم» لما يقرب من 700 ألف سنة، وبالتالي لا يزال هو الأطول في تاريخ البشرية في كل بقاع الأرض. كذلك لا بد أن نشير هنا إلى أن تلك التواريخ والأزمنة هي تقريبية، بل وقابلة للتغيير مع استمرار أعمال الكشف والبحث في آثار العصور الحجرية. وقد أنهى «العصر الحجري الوسيط»، ويؤرخ بنحو 50 ألف سنة ماضية، «العصر الحجري القديم». وقد وُجدت آثار هذا العصر في مواقع بحائل، وآبار حمى بمنطقة نجران. كذلك توافرت أيضاً آثار «العصر الحجري الحديث» الذي يؤرخ بنحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد، بالعديد من المواقع بأراضي المملكة العربية السعودية، سواء في المنطقة الشرقية التي تنتشر على طول شريطها الساحلي مواقع عديدة ترجع إلى فترة حضارة العبيد، أو في مواقع أخرى في منطقتي الجوف وحائل التي تؤرخ بين 5000 وحتى 3500 سنة قبل الميلاد، وأهم ما يميزها بالطبع هو التحول إلى المجتمعات المنتجة لغذائها عن طريق الزراعة، وبالتالي كان عصر بداية ظهور صناعة الفخار.
ومع تطور الحياة البشرية ونشأة المدن الكبيرة، ظهرت على أرض الجزيرة العربية العديد من الممالك الحضارية التي لا تزال آثارها منتشرة في العديد من المواقع بالمملكة، وآثارها قائمة شاهدة على نشاط حضاري مزدهر بُنيت عليه الحضارة العربية قبل ظهور الإسلام الذي يمثل مرحلة تاريخية وحضارية فاصلة في تاريخ الجزيرة العربية التي شهدت تفاعلاً حضارياً مثيراً أدى إلى قيام حضارات ودول إسلامية متعاقبة.
* نقلا عن الشرق الاوسط