عبدالجليل السعيد
جهود السعودية والإمارات في إرساء مفاهيم الأمن واستقرار المنطقة والعالم كبيرة وجبارة.. وقد بدأ قادة الغرب والشرق يدركون ماهيتها وطبيعة مفرداتها، العصية على التموضع مع هذا المعسكر أو ذاك.
فالسعودية والإمارات جعلتا من الموقف العربي الخليجي المتوازن حيال الصراع في أوكرانيا -مثالا- أنموذجًا عربيًّا يُحتذى، وطريقًا باتت أغلب البلدان العربية تسلكه، لأن الحروب تدمر حياة الشعوب وتقضي على مستقبل الأجيال.
وحتى الزائر الأمريكي رفيع المستوى، الرئيس جو بايدن، الذي حطّ رحاله في جدة السعودية قبل أيام، وجد القادة العرب الذين لبّوا دعوة خادم الحرمين الشريفين لقمة خليجية عربية أمريكية، صفًّا واحدًا حيال ما يجري في شرقي أوروبا، وسمع منهم كلامًا حكيمًا ومنطقيًّا يدعم التسويات ويشجع على الحوار، فقد ولّى زمن الحرب الباردة.
وتُعلي السعودية والإمارات من شأن الاتفاقيات والشراكات، فهما يدركان قوة الولايات المتحدة كحليف استراتيجي منذ عقود، لكن في الوقت نفسه، تفي كل منهما بالالتزامات حيال تعاون عربي خليجي روسي أو صيني أو هندي من أجل مصالح شعوب الإقليم وحاجاته.
وعلى هذا الأساس اختار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، فرنسا، لتكون أول محطة أوروبية يمنحها من وقته زيارة دولة ليومين، فهي البلد الذي يقود الاتحاد الأوروبي، وهي الجمهورية الرائدة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا والإرث المشترك مع الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق كذلك، كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على موعد مع اتصال مهم، أجراه سيد الكرملين، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أكد بدوره حرصه الشديد على العلاقة مع السعودية وبقية دول الخليج العربي، وتأكيده استمرارية اتفاق أوبك+ النوعي.
وبما أن رياح التغيير في الجغرافيا والتحالفات تهب سريعًا هذه الأيام، فإن القراءة الصحيحة للمتغيرات الدولية هي كلمة سر النجاح السعودي الإماراتي في كل شيء، فالهدنة في اليمن ثمرة عمل دبلوماسي سعودي إماراتي دؤوب، بشهادة “البيت الأبيض” وحكامه في أكثر من مناسبة.
والاتصال المهم بين الرئيسين الإماراتي والتركي رجب طيب أردوغان، هو دليل على اهتمام الإمارات الدائم بضرورة دعم الدول المهددة في غذائها، وذلك بالسماح للسفن المحمّلة بالحبوب لتمر من الأراضي الأوكرانية عبر السيادة التركية.
وفي السياق ذاته، تأتي زيارة ولي العهد السعودي إلى اليونان، حيث يطمح هذا القائد العربي الخليجي إلى مساعدة الغرب على تجاوز المحن، والبحث في قاموس السلام عن طاولة حوار بين أصدقاء الأمس، أعداء اليوم، أقصد روسيا والأوروبيين ومن خلفهم أمريكا.
فأوروبا، التي نراها اليوم مسكينة، حتى الصيف الذي شهدته بعض دولها تسبب في ارتفاع كبير بدرجات الحرارة، وهو ما ليس معتادا عندهم، فأصاب تلك الدول شلل غير مسبوق في كل مناحي الحياة، من ذوبان للمدرجات وتعطل الطيران، مرورًا بانقطاع الكهرباء وعدم القدرة على إصلاحها، ناهيك بإغلاق المدارس، وكأن تلك البلدان الأوروبية قد انهارت كليا.
وهذا مثال بسيط على واقع مخيف، يأتي قبل شتاء قاسٍ تستعد له أوروبا، مع نقص في إمدادات الغاز الروسي، وعدم المقدرة على تأمين مورد آخر بشهادة المفوضية الأوروبية نفسها.
خلاصة القول في ذلك، وعطفًا على ما ذُكر، يتوجب على البعض أن يدرك أنه لا مصلحة للسعودية والإمارات إلا في عالم مستقر، يتحسن فيه دخل الفرد، وتعود فيه عجلة التنمية للدوران، وترتاح فيه الشعوب من وعثاء الحرب وأعباء الكساد والبطالة وانهيار العملة وتدهور الاقتصاد.