غادة السمان
حين أكون في بيروت (دون أن تكون الكهرباء مقطوعة!) يصير في وسعي أن أرى على شاشة التلفزيون المحلي قناة اسمها «كلاسيك» ونرى فيها أفلاماً قديمة والمطربة اللامنسية أم كلثوم وهي تغني وتعصر منديلها على المسرح، وشاهدت فيلماً من بطولة عمر الشريف وفاتن حمامة (الممثلة المصرية التي كانت شهيرة جداً)، ولفتني في الفيلم أن عمر الشريف ممثل استثنائي حقاً قياساً إلى كل من شاركه تمثيل الفيلم، بما في ذلك فاتن حمامة.
وأعتقد أن إبداعه في التمثيل هو سبب انتقاله إلى الأفلام العالمية وشهرته في دنيا السينما في الغرب أيضاً.
الحظ ليس سبب شهرته
أكرر: لا أعتقد أن سبب شهرة ميشيل شلهوب (الاسم الحقيقي لعمر الشريف) أن المخرج ديفيد لين تبناه في فيلم (لورانس العرب) كما له عدة أفلام هوليوودية جميلة شاهدتها وأهمها (الدكتور جيفاكو) عن رواية لفائز بجائزة نوبل للأدب وفيلم «الفتاة المرحة» وسواها من الأفلام الهوليوودية، وأعتقد دائماً أن إبداعه التمثيلي هو سبب شهرته. ومن الجميل أن يهتم ابنه (من زوجته السابقة فاتن حمامة: أي طارق عمر الشريف) لتحويل قصة حياة عمر الشريف إلى مسلسل تلفزيوني حلقات. ولد عمر الشريف (ميشيل ديمتري شلهوب) عام 1932 وتوفي في تموز (يوليو) 2015 أي عاش ما يناهز 83 سنة وحصد الكثير من الجوائز السينمائية العالمية وبجدارة.
لعنة القمار
في سنواته الأخيرة أضحى مولعاً بالقمار (البريدج)، كان في وسع عمر الشريف أن يمثل أفلاماً تناسب عمره، لكنه غرق في عشق القمار ولعبة (البريدج)، وذكرني ذلك بفرنسواز ساغان الكاتبة الفرنسية الموهوبة التي اشتهرت منذ عملها الأول (مرحباً أيها الحزن). وكتبت روايات أخرى جميلة ثم توقفت عن الكتابة بعدما صارت ثرية وبعدما غرقت في فخ القمار وتناول الكحول والمخدرات كما يقال.
لم تستقبل ابنها وهي تحتضر!
خسرت فرنسواز ساغان في المقامرة بيتها واضطرت للإقامة أواخر أيامها في بيت إحدى صديقاتها وهي مريضة، وحين احتضرت في المستشفى رفضت استقبال ابنها وكان شاباً نبيلاً، إذ فسر السبب في حوار تلفزيوني أن أمه لم تكن تريد أن يراها وهي تحتضر. أياً كانت الأسباب، القمار لعنة أمقتها شخصياً ولم أتورط يوماً حتى في تجربتها ولن!
ونعود إلى عمر الشريف الذي ما تزال قصة حياته مشروعاً ولما يتم بعد استغلال مذكراته لتكون مسلسلاً جذاباً يسعى ابنه طارق عمر الشريف لتحويله إلى حقيقة وعسى أن ينجح في مسعاه، فنجاح عمر الشريف نموذج لقدرة المصري المبدع على النجاح عالمياً ولدعم المواهب الشابة في بلاده. فمتى نرى ذلك المسلسل عن حياة عمر الشريف من البداية حتى تحقيقه لنجاح خرافي وجوائز عالمية.
من سيقتلنا: جدري القردة أم كوفيد الخفاش؟
يتجدد الحديث عن فيروس قد يقتلنا هو جدري القردة، هذا بعدما توهمنا أننا تخلصنا من وباء كوفيد 19 من (الخفاش) كما قيل. الحيوانات تصيبنا بالفيروس الفتاك، ولم لا وهي شريكتنا في الحياة على هذا الكوكب ولا ندري كم من أوبئة نقلناها لها كبشر وفتكت بها!!
الإنسان يخترع لقاحات مضادة لأوبئة قد تسببها له فيروسات الحيوانات مثل (ثاريول دو سانج؛ أي جدري القردة أو كوفيد 19، ويقال إن الخفاش نقله للإنسان). وباء جدري القردة سجل العديد من الإصابات في بريطانيا، وعبر الرئيس الأمريكي عن قلقه من انتشار جدري القردة.. وأتساءل اليوم كما الكثير من القراء: هل سنرضى بالتطعيم ضد جدري القردة أم أننا سئمنا من وباء فلقاح ووباء آخر ولقاح آخر؟
وهكذا، كل قارئ يقرر ما يجده مناسباً لحياته. من طرفي، أكاد أقرر ألا أتناول بعد اليوم المزيد من اللقاحات بعدما أحصيت عددها منذ طفولتي وما زال جسدي يحمل توقيع الدكتور الشامي عزة مريدن، الذي لقحني ضد الجدري وأنا طفلة، كما يحمل أعلى ذراعي آثار اللقاح ضد مرض السل.. ترى، هل سيقتلني جدري القردة؟ توكلت على الله وقد لا أرضى بأي لقاح بعد اليوم، ولكنني قد أبدل رأيي!
«أليست نفساً»؟
رحم الله الشهيدة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة. أترحم عليها بالرغم من أن بعضهم يقول إنه لا تجوز عليها الرحمة لأنها مسيحية!
قرأت الخبر في إحدى الصحف، وهالني ذلك. وماذا أن كانت الشهيدة مسيحية؟ جاء في القرآن الكريم «إن الذين آمنوا والذي هادوا والنصارى.. من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجر عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
وقرأت مرة للأديب السعودي محمد حسين زيدان، أن رسول الله كان جالساً ومرت جنازة فنهض واقفاً، وقال له الصحابة: إنها جنازة يهودي. وأجابهم رسول الله محمد: «أليست نفساً؟
وإذا كان رسول الله النبي محمد (ص) نهض واقفاً لمرور جنازة يهودي، فهل ثمة من يجرؤ على منعنا من الترحم على الشهيدة شيرين أبو عاقلة لأنها مسيحية (رحمها الله ورحمنا).
أخلاق الإسلام يلخصها موقف سيدنا محمد (ص)، الذي نهض واقفاً لجنازة يهودي.. وجاء في القرآن: «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، والمسيحي ليس كافراً؛ فهو من أهل الكتاب ويؤمن بالله واليوم الآخر.. لذا، أترحم من جديد على الشهيدة شيرين أبو عاقلة حتى لو قرر البعض عدم الترحم عليها لأنها مسيحية، رحمها الله.