كم أحترمهم أولئك الشجعان والشجاعات!

غادة السمان

لا أحب أي تغيير بين أصحاب البشرة السوداء أو البيضاء أو السمراء، وأقف ضد كل تمييز عنصري بسبب اللون حتى ولو كان ذلك احتفالاً في هوليوود في سهرة «السمراوات» ويقام سنوياً هناك منذ حوالي أربعة عقود ولا تحضره إلا داكنات السمرة، كالنجمة الأمريكية «مارساي ماتين»، كما قرأت في منبر مع صورتها. أعتقد أن الزمن الذي كان يميز بين البشر انطلاقاً من لون البشرة، الزمن (العنصري)، انتهى في نظر كثير من الأدباء والصحافيين، وأنا منهم. وزمن أغنيات عربية مثل: «يا بيضا يا حلوة يا ست الملاح. يا لؤلؤ يلالي يا نور الصباح» في مديح بيضاوات البشرة، أو أغنية «سمرة يا سمرة مرة بمرة شغلني هواكِ. دمك خفة وتاج العفة شغلني معك.. سمرا يا سمرا.. حلوة يا سمرا»، كمبارزة بين عشاق بيضاوات البشرة أو السمراوات. هذا انتهى.. وصرنا بحاجة إلى مقاييس جديدة للبشر، نساء ورجالاً، لا صلة له بلون البشرة، بل برحابة القلب والسلوك الإنساني. انتهى الزمن الذي تستمد بعض الأغاني والسهرات منها دماً عنصرياً وسلوكاً غير مباشر يميز بين البشر انطلاقاً من لون البشرة.

الحيوانات المنزلية الأليفة

في تحقيق طالعتُه في مجلة فرنسية واسعة الانتشار (اوبس ـ العدد 365) وكان عن الحيوانات الأليفة لنجوم الغرب وهي تتراوح بين القطط والكلاب، ولاحظت أن معظم نجوم الغرب (يتبنون) كلباً أو قطاً (حذار من قول يشترون، فاسم اقتناء قط أو كلب في الغرب هو تبنيه) كما لو كان طفلاً! لفتني خروج نجمين من هوليوود عن القاعدة، وها هو النجم جورج كلوني المتزوج من محامية بريطانية شهيرة من أصل لبناني يتبنى خنزيراً ليكون حيوانه الأليف (!) بدلاً من القطط أو الكلاب، ونشرت المجلة صورة له يداعب خنزيره الحبيب! وبصراحة، أنا لا أشاركه هذه العلاقة العاطفية مع خنزير، على العكس من شعوري نحو النجمة الجميلة سلمى حايك، المتزوجة من أغنى رجل أعمال في فرنسا (الملياردير فرنسوا هنري بنيو)، فهي تعشق طائر البوم. وكما نشرت المجلة صورة جورج كلوني مع خنزيره الحبيب، نشرت صورة سلمى حايك مع بومتها الجميلة حقاً (في نظري فأنا من عشاق البوم) وأتمنى ألا يخسر الرجل الأكثر ثراء في فرنسا ماله لكيلا يقال إن البومة نحسة، وما أكثر الذين يتشاءمون من البوم الجميل وأنا من عشاق «شعب البوم»!

كأن سواها لم تحمل بطفل!

النجمة الأمريكية ريهانا (ريحانة؟) تتصرف وكأنها المرأة الأولى في التاريخ التي تحمل وينتفخ بطنها، فهي تتصرف انطلاقاً من وهمها هذا! وأنا أنفر من استغلالها التجاري لصور حملها، إذ لم تعد ترتدي ثوباً إلا عاري البطن، ويتم التقاط صورها منذ حملها مع التركيز على انتفاخ بطنها (كما يحدث للنساء جميعاً منذ أيام آدم وحواء!) ترى، هل فكرت بشعور ابنها (ابنتها) حين تلد ويكبر الطفل، وهل سينفر من أمه التي استعملته أياماً كان في بطنها كذريعة تجارية مع ارتداء ثياب ثمينة مبتكرة لتعرية البطن المنتفخ؟ أتمنى لها ولادة مريحة لتريح أيضاً عيون القراء من هذه الصور التي تنتهك الأمومة الحقة ولا تفكر بشعور ابنها (أو ابنتها) حين يكبرون ويشاهدون ذلك ذات يوم.
للأمومة حرمتها وليست مادة دعائية إضافية لنجمة ثرية. وصورها في نظري لا تدعو للإعجاب ولا الاحترام.

كم أحترمهم، نساء ورجالاً

في منبر أثق في أخباره، قرأت عن كفيف حصل على درجة الدكتوراه باللغة الإنكليزية في بلد عربي (المغرب)، واسمه حميد نبيل. وحصل سواه من المكفوفين والمكفوفات على الدكتوراه، لكن بلغات أخرى كالعربية والفرنسية. والدكتور حميد نبيل أول كفيف يحصل على الدكتوراه باللغة الإنكليزية. ولدي احترام خاص للذين يتغلبون على عاهة، وذلك ليس سهلاً، ويدعو للاحترام.
في الأيام الأولى لانتشار وباء (كوفيد)، كان سكان باريس يفتحون نوافذهم في الثامنة مساء ويصفقون للشجاعات اللواتي يعملن ممرضات في المستشفيات التي تحاول معالجة المرضى بالوباء.
وبعد اكتشاف اللقاح ضده، لم نعد نسمع التصفيق من نوافذ باريس للممرضات اللواتي لم تعد حياتهن في خطر بسبب اللقاح.. ولكن الكثير من النساء يعملن في حقول خطرة.

المراسلات الحربيات للتلفزيونات

الشعور ذاته بالاحترام أحسه نحو الصحافيات المراسلات الحربيات التلفزيونيات كما في أوكرانيا هذه الأيام، وهن ينقلن لنا أخبار الحروب التي تدور حولهن ويحملن الميكروفون وكاميرا التصوير بكل شجاعة.
من طرفي، لا أجرؤ على القيام بعملهن بعدما عشت حرباً أهلية في لبنان، ولذا أعي مدى خطر عملهن على حياتهن وشجاعتهن التي تدعو للاحترام والإعجاب. والمرأة (مخلوقة) شجاعة في غالبها، وتذهب حتى إلى ساحات الحروب لنقل ما يدور، والمراسلات الحربيات يزداد عددهن، ونزداد احتراماً لشجاعتهن في ساحات الحروب. المرأة ليست كما كان يزعم البعض ناقصة عقل ودين.. إنها مخلوق شجاع من مخلوقات الله، وتقوم بأي عمل يقوم به الرجل، بل وتتفوق أحياناً عليه، والأنوثة ليست عاهة!

السياحة ابنة الاستقرار الأمني

حين أذهب إلى بيروت أعود كمواطنة لا كسائحة، لكنني أتوجس شراً من عودتي خوفاً من واقع الحال: لا كهرباء، ولا ماء، ولا وقود لتغذية المحركات المنزلية المولدة للكهرباء. ولذا، لا أتوقع للبنان موسماً سياحياً زاهراً هذا الصيف، فالسياحة ابنة الاستقرار الأمني والرخاء، وحتى المهرجانات ستبدو اصطناعية في مناخ ليس فيه ما يدعو للتفاؤل، وبالذات بعد الانفجار في مرفأ بيروت الذي كان موقع أمان، حيث التقيت على باخرة ذاهبة (إلى أوروبا للعلاج) بالأديب الكبير طه حسين، رضي استقبالي بحكم صداقته مع أبي.. ذلك كله صار ذكرى، ولا أعتقد أن سائحاً واحداً سيأتي إلى بيروت هذا الصيف بعدما كان الموسم السياحي اللبناني يدر المال على لبنان، وكان كثير من أهل (الخليج العربي) يفضلون قضاء الصيف في «سويسرا الشرق» لبنان.. بدلاً من أوروبا.
وكان ياما كان.. لبنان..

 

غادة السمان