طرد أفغان لصالح أوكرانيين.. “عنصرية” بين اللاجئين في ألمانيا

أخلت السلطات الألمانية، المئات من اللاجئين الأفغان، لصالح أوكرانيين، في واقعة تعيد للأذهان اتهامات العنصرية لسياسة اللجوء الألمانية.

وفجرت مجلة “فورين بولسي” الأمريكية، قضية إجلاء مئات اللاجئين الأفغان من أماكن الإقامة التي اعتادوا عليها منذ الوصول إلى ألمانيا، الصيف الماضي، لصالح اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا البلاد منذ نهاية فبراير/شباط الماضي.

ووفق المجلة، فإن إدارة الاندماج والعمل والخدمات الاجتماعية في ولاية برلين، اتخذت هذا القرار، بحجة أنه “يستند إلى اعتبارات ضرورية وصعبة من الناحية التشغيلية”، وأنه لا يوجد بديل لأن الأوكرانيين، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال، يحتاجون إلى “سقف وسرير”.

ونقلت المجلة عن ستيفان شتراوس، المسؤول الصحفي في إدارة الاندماج، قوله: “نأسف لأن هذا تسبب في صعوبات إضافية للعائلات الأفغانية، وأن الأشخاص المتضررين اضطروا إلى الخروج من محيطهم المألوف وربما يتعين عليهم الآن مواكبة علاقاتهم الاجتماعية بصعوبة كبيرة”.

وتابع أن برلين تضم ما مجموعه 83 مكان إقامة مختلفًا للاجئين، تأوي بالفعل حوالي 22 ألف شخص، لكن الأوكرانيين الوافدين يحتاجون إلى أن يتم دمجهم في عدد محدود من مراكز استقبال اللاجئين، لتسهيل إجراءات معالجة الأوراق وطلبات اللجوء”.

وأضاف شتراوس أن الأفغان الذين تم إجلاؤهم حصلوا على أماكن إقامة “دائمة” أخرى ذات جودة مماثلة، باستثناء حقيقة أن الأماكن الجديدة تضم حمامات ومطابخ مشتركة وليس خاصة لكل أسرة.

لكن عدد كبير من الأسر الأفغانية أجبروا على ترك منازلهم دون سابق إنذار، لإفساح المجال أمام اللاجئين الأوكرانيين، وهذا حدث على سبيل المثال مع عائلة باروانا أميري.

وكانت “أميري” تتناول الإفطار مع زوجها وابنتيها الصغيرتين، عندما وقف زائر غير متوقع؛ موظف من إدارة الاندماج الألمانية، خارج الباب حاملاً أخبارا غير متوقعة: يتعين على الأسرة إخلاء منزلها للاجئين الجدد القادمين من أوكرانيا في غضون 24 ساعة، دون أسئلة أو تفاوض.

أميري، 33 عامًا، وهي ناشطة اجتماعية ولاجئة من أفغانستان وصلت إلى برلين في أواخر يناير/كانون ثاني، بمساعدة الحكومة الألمانية، بعد تلقيها تهديدات من حركة طالبان خلال العامين الماضيين.

وأميري “اسم مستعار”، واحدة من مئات الأفغان في جميع أنحاء ألمانيا الذين تم إبعادهم جانبًا. لإفساح المجال للاجئين الوافدين حديثًا من أوكرانيا.

فيما قال طارق ألاوس، عضو مجلس إدارة مجلس اللاجئين في برلين، وهو اتحاد منظمات ترعى مصالح اللاجئين، إن عمليات الإخلاء لم يتم الإعلان عنها، مضيفا “كان بعض الناس يعيشون في منازلهم منذ سنوات، وأجبروا على مغادرة دوائرهم الاجتماعية، بما في ذلك أطفال أجبروا على الانتقال لأماكن إقامة بعيدة عن مدارسهم”.

وبحسب الأوس، فإن الحكومة تبرر إجلاء الأفغان على أساس أنهم مطالبون بمغادرة ما يسمى بـ “مراكز الوصول”، والتي يتعين عليهم البقاء فيها لفترة قصيرة بعد دخولهم البلاد، لكن بعض العائلات عاشت في منازل بهذه المراكز لسنوات

ورغم ذلك، قال ألاوس: “تحسنت الظروف المعيشية لبعض الناس بعد إخلاء المنازل، لكن معظمهم كانوا يخشون التحدث عن ذلك خوفاً من أن الأمر قد تؤثر على وضعهم كمهاجرين”.

هناك أيضا قصة رجل أفغاني يبلغ من العمر 30 عامًا، طلب من فورين بولسي عدم ذكر اسمه، وصل إلى ألمانيا في يناير/كانون ثاني الماضي، مع والدته وشقيقين أحدهما يعاني من مرض في القلب.

وقال الرجل “بعد طرد الأسرة من المنزل في أحد مراكز الوصول، تم فصلي عن إخوتي ووالدتي وعرض علي الإقامة في جزء مختلف عنهم في برلين”، دون توضيح السبب.

ووفق فورين بولسي، جرى إيواء بعض العائلات الأفغانية التي أخلت منازلها في مراكز وصول أخرى، فيما عاش آخرون في مساكن شبيهة بالفنادق، ودفعت الحكومة الألمانية تكاليف المساكن الجديدة جميعًا.

الأوس الذي قال إن 10 أسر أفغانية غادرت منازلها في برلين وحدها لصالح الأوكران، وانتقلت للإقامة في أماكن أخرى، قال “بالطبع ليس خطأ الأوكرانيين، لكن الأشهر الماضية أظهرت أن المعاملة المختلفة للاجئين ممكنة”، في إشارة إلى تعاطي السلطات بشكل مختلف مع اللاجئين القادمين من أوكرانيا، وغيرهم من اللاجئين.

لكن الحديث عن الازدواجية في التعامل مع اللاجئين ليس أمر جديدا، فمنذ بداية أزمة اللجوء جراء الحرب بأوكرانيا، يتحدث كثر عن تفاوت إشارات وعلامات الترحيب باللاجئين الجدد، مقارنة بما كان يحدث مع اللاجئين الأفغان أو السوريين قبل ذلك.

وقبل أيام، قالت أورليكه زيمان كاتز، وهي مسؤولة في منظمات دعم اللاجئين بألمانيا، “في الواقع، ما يتم فعله للاجئين الأوكرانيين رائع حقًا، ولكن يجب التعامل بنفس الطريقة مع جميع اللاجئين الآخرين الذين يأتون إلى ألمانيا أو أوروبا”.

ووفق كاتز، لا يتم التعامل مع كل من يأتي على قدم المساواة. خلال حركة الهجرة في عام 2015 على سبيل المثال، جاء حوالي 23000 شخص من سوريا وأفغانستان وغانا إلى منطقة مكلنبورغ-بوميرانيا الغربية (بولاية مكلنبورغ فوربومرن).

وتضيف “كان على كل منهم الخضوع لإجراءات اللجوء والبقاء في أحد مرافق الاستقبال الأولية، وكانت ولاية مكلنبورغ-فوربومرن مختلفة عن باقي ولايات ألمانيا، إذ كانت الإجراءات تجري بسرعة كبيرة في الولاية. لكن ليس للجميع في نفس الوقت”.

وتتابع كاتز “مُنح الكثير من السوريين تصاريح إقامة بعد أسابيع قليلة، وكان الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للاجئين من أفغانستان وشبه مستحيل بالنسبة للاجئين من غانا في ذلك العام”.

وأضافت “عملت مكلنبورغ فوربومرن بشكل فعال وحتى شهرين ماضيين، كان هذا ينطبق أيضًا على الأشخاص القادمين من أوكرانيا، ولم يُسمح للعديد منهم، ممن فروا من شبه جزيرة القرم أو المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في الشرق، بالبقاء في ألمانيا”.

وفي عام 2015، ناقش الاتحاد الأوروبي ما إذا كان ينبغي تفعيل ما يسمى بقانون التدفق الجماعي الذي تم الموافقة عليه عام 2001، في ضوء تحركات اللاجئين الكبيرة في ذلك العام. ومع ذلك، لم يحصد هذا المقترح تأييد الأغلبية في ذلك الوقت.

لكن الوضع اختلف في عام 2022، وبعد أسبوعين من بدء الحرب في أوكرانيا، فعّل الاتحاد الأوروبي هذا القانون لأول مرة منذ 21 عامًا، وبذلك، يُمنح اللاجئون من أوكرانيا حق الإقامة دون إجراءات اللجوء، ويمكنهم العمل على الفور، ويحق لهم الحصول على المزايا الاجتماعية والتأمين الصحي.

وفي هذا الإطار، ترى “كاتز” التي كانت تتحدث لشبكة “إن دي آر” الألمانية، إنه “نحن عنصريون عندما يتعلق الأمر بالقوانين. نحن نفرق بين الخير والشر وبين اللاجئين المرغوب وغير المرغوب فيهم”.

وقبل الحرب بأوكرانيا، كانت ألمانيا أكبر دولة مضيفة للاجئين في أوروبا، وفتحت حدودها في عام 2015 أمام الأشخاص الفارين في الغالب من الحرب في سوريا.

وكان يعيش أكثر من 1.24 مليون لاجئ في ألمانيا قبل الحرب بأوكرانيا، فيما استقبلت بولندا حوالي 2.8 مليون أوكراني في الأسابيع التي تلت الحرب.

ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد الأوكران في ألمانيا في الوقت الحالي.

أفغانستانألمانياأوكرانيا