د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، افترض الله علينا صيامه، وندَبَنا نبيُّنا عليه الصلاة والسلام لقيامه، ليكون موسماً سنوياً يُقبل العبد فيه على ربه، تبتُّلاً إليه بعبادة الصيام الذي هو من أحب العبادات إليه جلّ شأنه، وهي العبادة التَّركِيةُ الوحيدة، يدع فيها الصائم رغباته، وشهواته طمعاً في رضوان الله تعالى، الذي اختص الصيام لنفسه تشريفاً له، دون سائر العبادات، كما في الحديث القدسي «كلُّ عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به».
والواجب على المسلم وهو مقبل على هذا الركن العظيم، أن يؤديَه على النحو الذي يرضي ربنا جلّ في علاه، ولا يكون مرضياً إلا إذا كان صحيحاً موافقاً للسنة، وأُريد به وجه الله تعالى، كما تشير إليه الآية الكريمة ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾.
وعلى المسلم أن يتفقه في كل عبادة يؤديها، ومنها الصيام الذي حان وقتُه.
والحد الأدنى من التَّفقّه في الصيام أن يعرف شروط وجوبه، وشرط صحته، وأركانه، وسننه، ومكروهاته، ومبطلاته، وأعذاره، حتى يؤديه على الوجه المطلوب شرعاً.
أما شرط وجوبه؛ فهو التكليف، بأن يكون الصائم مسلماً بالغاً عاقلاً، فغير المسلم وإن كان مكلفاً، إلا أنه لا نية له، والنية شرط لصحة الصوم، وغير البالغ من ذكر أو أنثى لا يجب عليه الصوم، وإن كانت له رغبة فيه ويُطيقه، فإن كان مميزاً يعرف معنى الصوم، صح صومه نفلاً، فله أجر النوافل، وغير العاقل وهو المجنون والخرِف ومثله المغمى عليه إغماءً كاملاً، لا يجب عليه الصوم، ولا يصح منه لو أنه صامه، لِرفع قلم التكليف عنه.
أما شروط صحته؛ فهي تبييت النِّية من الليل، فمن لم ينوِ الصيام من الليل فلا صيام له، وهذه العبادة الوحيدة التي شرطُها سابق عليها، وذلك من توسيع الله تعالى على عباده، فإنها لو وجبت عند أول الشروع في العبادة مثل الطهارة والصلاة والزكاة لشق ذلك على الناس، ومن سعة الشريعة أن النية تصح عند السادة المالكية من أول الشهر بأن ينوي صوم شهر رمضان، وتستمر معه حتى يتمه؛ لأن الشهر كله ركن واحد، ولكن بشرط أن لا يتخلله فطر يوم، فإن أفطر يوماً وجب تجديدها.
وكذلك من شرو ط صحته خلو المرأة من الحيض والنفاس، من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، فلو طرأ عليها أثناء الصوم ولو قبل المغرب لم يصح صومها، ويجب عليها قضاء ذلك اليوم.
ومن شروط صحته كون الصائم غير مغمى عليه النهار كله، فلو أفاق بعض النهار وكان قد نوى صح صومه.
وأما ركنه فهو ترك تناول المفطرات عمداً من أكل أو شرب أو مباشرة النساء، أو تعمّد القيء، أو إخراج المني، من طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس.
وأما سننه فكثيرة، ومنها تناول السحور ولو قليلاً، وتعجيل الفطر عند تحقق الغروب، على رطب أو تمرات، والاشتغال بتلاوة القرآن وذكر الله تعالى.
وأما مكروهاته فكثيرة، فمنها الحجامة، على رأي الجمهور الذين لا يرونها مفطرة، ولكونها تضعف الصائم فقد يحتاج معها إلى الفطر، ومنها تذوق الطعام بطرف اللسان، خشية أن يسبق إلى الجوف فيفطر، ومنها العلك؛ فقد يبتلع ماءه فيفطر، والمبالغة في الاستنشاق؛ لأنه قد يسبق إلى الحلق فيفطر، ومنها استنشاق دخان البخور؛ لأنه يتجمع في الصدر فيكون له جِرم، ومنها تقبيل المرأة أو ضمها؛ لأنه قد يؤدي إلى التمادي فيقع المحظور.
وأما مبطلاته فكثيرة، فمنها تناول شيء من المفطرات عمداً، فإن كان نسياناً فلا يضر، لرفع القلم عن الناسي، ومنها تعمّد القيء، أما من غلبه القيء فصومه صحيح؛ لأنه مكرَهٌ عليه لا اختيار له فيه، ومنها مباشرة النساء عمداً.
وأما أعذاره فكثيرة، ومنها المرض الذي يشق معه الصوم، ومن ذلك مرضى السُّكري المرتفع، من الدرجة الأولى أو الثانية، فإن هؤلاء معذورون من الصيام، وعليهم فدية طعام مسكين، فإن كان مرضاً متقطعاً فيجوز معه الفطر ويجب القضاء، ومنها السفر فإنه مبيحٌ للفطر ويوجب القضاء، ومنها كبر السن الذي لا يطاق معه الصوم فإنه مبيح للفطر ويوجب الفدية عن كل يوم، ومنها الحمل أو الإرضاع، خوفاً على النفس أو الجنين أو الرضيع، فإنه يبيح الفطر، ويوجب القضاء.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»