لدى استعراض المتابع والقارئ للأخبار المتعلقة بالنزاع الروسي الأوكراني على مختلف وسائل الإعلام، ستلفت انتباهه أعداد رسوم الكاريكاتور، التي تصور الوضع الأوكراني والعلاقةَ مع “الحليف” الذي يبدو أنه ورّط أوكرانيا في نزاع مع جارتها روسيا.
هذا الصراع القديم المتجدد بين الجارين الكبيرين، والذي ما كان ليستعر ويصل إلى مراحله الحالية لولا الدعوات والتدخلات المتكررة للولايات المتحدة وأوروبا في شؤون أوكرانيا، ما شكّل عامل استفزاز واضحا لروسيا الاتحادية، ومثل تهديدا لمصالحها الاستراتيجية على حدودها الغربية.
مقدمات ما حصل أخيرا من بدء العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا خُطّت بأقلام الناتو والولايات المتحدة تحديدا، والتي ذهبت إلى حدود إشعال فتيل الصراع العسكري بين البلدين، ثم الانسحاب والاكتفاء بعبارات التنديد والشجب والاستنكار، والمتابع للمواقف الأمريكية على مدى السنوات الماضية، سيرى جليا كيف أن “الحليف الأمريكي” ليس أكثر من كونه حليفا اسميا ونظريا، مع أنه عند الحاجة إلى تحقيق مصالحه تجده يتحرك بنشاط وخفة وقوة لتحقيق مصلحته، ولكن عندما يجد نفسه مطالبا بالتصرف كحليف حقيقي، يبدأ بالانسحاب والتردد وسَوْق الحجج، التي قد تكفل له على المدى القريب على أقل تقدير الخروج بماء الوجه، ولكنها على المدى البعيد ومع تكرار هذه المواقف، لن يكون لدى الأمريكيين أي حليف يثق بها في العالم.
تدور فكرة عقد التحالفات الاستراتيجية بين الدول، حول حرص كل حليف على تحقيق مصالح أعضاء التحالف بالكامل، ودراسة المواقف والملفات بعين جمعية متكاملة، ترى وتشاهد وتحلل وتقرر بناء على مصالح الجميع، بعيدا عن سياسات النأي بالنفس أو المصالح الفردية الضيقة، وذلك ما لم نعهده عبر تاريخ التحالفات الحديثة للولايات المتحدة في كثير من النماذج التي يعرفها القارئ الكريم وتحيط بتفاصيلها وسائل الإعلام العالمية، وليس لنا لنفهم إلا العودة إلى تاريخ الولايات المتحدة الحديث جدا في ما عملت على تصويره كتحالفات استراتيجية لها مع عدد من دول العالم، انتهاء بأوكرانيا مرورا بأفغانستان ووصولا إلى العراق.
التاريخ لن يرحم في سرد تفاصيل قصة التخاذل الأمريكي والأوروبي في دعم حليفهما الأوكراني، والامتناع حتى عن تنفيذ ما تعهدا به مرارا أمام تلك البلاد والعالم، بالوقوف معها ضد أي تحرك أو صراع محتمل مع الجار الروسي، بعد دفعها للتخلي عن ترسانتها العسكرية، مقابل وعود ذهبت أدراج الرياح، ولن يغفل التاريخ أيضا للأوروبيين والأمريكيين كيف قدموا مصالحهم الاقتصادية فوق مصلحة الحليف الضعيف، الذي دُفع للدخول في صراع ليس من مصلحة أي طرف بدؤه أو الدخول فيه، واكتفوا بالتلويح بعصا العقوبات الاقتصادية ضده، والتي لا تؤثر إطلاقا على اقتصادهم، بينما ينهار الاقتصاد الأوكراني مخلفا أزمات أخرى للبلاد مستقبلا.
كلنا ندعو للسلام وإيقاف الأعمال الحربية والنزاعات المسلحة في أي من بقاع الأرض، وكلنا نأمل أن يتوقف هذا الصراع قريبا جدا، ويلجأ العالم للتعقل والحوار والدبلوماسية في حل خلافاتهم، وأن يقف العالم صفا واحدا لحماية المدنيين والحفاظ على حياتهم على مختلف الجبهات، ولكن علينا أن نتذكر دوما، أن مَن بدأ هذا النزاع المسلح وأجّج نيرانه هم الأمريكيون والأوروبيون، وهم أنفسهم من تخلَّوا عن حليفهم الأوكراني.