لا شك في أن عملاقي الدوري الاسباني ريال مدريد وبرشلونة خلقا حالة مثيرة وفريدة في السنوات الـ15 الماضية، وأرغما عالم كرة القدم على الانقسام في تشجيعهما، وساعدهما وجود أسماء بحجم ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، و«أم اس أن» و«بي بي سي»، وبيب غوارديولا وجوزيه مورينيو، في وقت انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي، ما أوصل شعبية الناديين عنان السماء، لكن ما هو الحال اليوم؟
الصراع دائما يحتدم بين كبار الاندية الاوروبية، على كسب قلوب وعقول الاجيال الجديدة من عشاق كرة القدم، فلم يعد كافياً ضم أبرز النجوم لتحقيق ذلك، بل يجب ان يكون العمل متكاملاً. واليوم، أصبح باريس سان جيرمان المتهم الأكبر في تجريد الدوري الاسباني من أبرز نجومه في السنوات الاخيرة، بدءاً من البرازيلي نيمار في 2017، وصولاً إلى ميسي وسيرخيو راموس اليوم، ليفقد الليغا أبرز عناصر الجذب والتشويق، برحيل النجوم عن الريال والبارسا بسبب أزماتهما المالية وسوء ادارتهما، والتي عكست مدى ليونة الأرض التي يقفان عليها، وضحالة نموذج الادارة عبر الانتخاب الرئاسي، الذي يوصل بمهندس ومحام لادارة شؤون منظومة اقتصادية قبل ان تكون كروية، ليصطدما بالتأثيرات السلبية لجائحة كورونا، وتتكشف عيوبهما بالرزوح تحت طائلة ديون مهلكة ارغمتهما على التخلي عن أبرز نجومهما، على عكس الاندية التي يملكها أثرياء وصناديق سيادية ومستثمرون من الطراز الرفيع، لتستغل فترة سماح اليويفا، من المحاسبة، عبر قانون العدل المالي، حيث شجع الاتحاد الأوروبي للعبة الملاك في ضخ الاموال في اللعبة للمساهمة في تخطي الازمات المالية التي خلفها الوباء.
عملاقا الليغا سيبقي على محبيه بفضل ما جمعه من انصار خلال العصر الذهبي في السنوات الـ15 الماضية، لكنه دخل في دوامة طبيعة كرة القدم التي تدور في شعبيتها، فالريال والبارسا لن يحصدا المزيد من الانصار، كونه يفتقد إلى العنصر الجاذب الحقيقي، وهو أولاً النجم السوبر ستار، وثانياً متعة المنافسات وشراسة التحديات، وهنا بات الحديث عن جامع «الغلاكتيكوس» الحالي باريس سان جيرمان، وعن قيادته لدورة حياة جديدة في عالم مشجعي كرة القدم، حيث سينجر الآلاف وربما الملايين صوب العاصمة الفرنسية، لرؤية الكوكبة الجديدة من «الخارقين»، لكن حتى هذا لن يشبع نهم وغريزة المشجع، والسبب الرئيسي فقدان المنافسة الحقيقية في الدوري الفرنسي، فحتى مثلما كان ينعت الدوري الاسباني بـ«دوري توم وجيري»، فان «ليغ1» ليس فيه سوى «توم»!
لكن الهدف الرئيسي من تملك هذه الكوكبة من النجوم في فريق واحد مثل سان جيرمان ليس لتعزيز شعبية الدوري الفرنسي، لانه في الواقع هو قتله، بل الهدف الأكبر هو احراز لقب دوري أبطال اوروبا قبل مانشستر سيتي، ويا حبذا حصل هذا الامر الآن وليس غداً، ومع ذلك ستكون عقول وقلوب وأعين محبي كرة القدم على النادي الباريسي خلال مسابقة دوري الأبطال، لكن ستقل بصورة لافتة في الدوري المحلي. أما الدوري الايطالي، الذي كان الأول الذي يصنع النجوم و«الغلاكتيكوس»، خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وكان اللعب لأحد أنديته حلم كل لاعب طامح ونجم واعد، انهار على وقع المنافسات الشرسة بين ملاك أندية الكاشيو إلى درجة دفع رواتب وبدل انتقالات تفوق المداخيل بصورة خيالية، وايضا التورط في شراء ذمم الحكام والمنافسين، ما أدخل الدوري في فضائح مهلكة، لطخت سمعته ونفرت منه الرعاة والمستثمرين، بل حتى مالكي حقوق البث، بالاضافة إلى سوء حال البنى التحتية، لينتهي به الحال اليوم إلى نقل مبارياته على «يوتيوب» لمحبيه في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وحتى وجود رونالدو مع يوفنتوس لم يشفع ولم يكف لاعادته إلى سابق عهده.
وهنا يأتي الدوري الانكليزي الممتاز، يفتل عضلاته بملايين مستثمريه الأثرياء، يجذب عشاق اللعبة الحديثة، والمنافسات الجدية، حيث تتنوع الفرق أصحاب الشعبية القادرة على جذب النجوم الكبار، بل يمكن للمشجع العادي، ان يسمي لاعبا نجما من كل ناد من العشرين في الدرجة الممتازة، كون الاثارة لا تنتهي في كل جولة من جولاته، فضلاً عن الاجواء الحماسية التي أشعلتها عودة الجماهير إلى المدرجات، حيث تنفرد مباريات البريميرليغ بأجواء ساحرة لا تضاهيها او تقترب من جودتها الا بعض منافسات البوندسليغا الألمانية، عدا عن الدهاء التسويقي لرابطة الدرجة الممتازة، التي باتت اليوم فقط تحاول نظيرتها في اسبانيا وايطاليا تقليدها والسير على خطاها.
الجماهير ستبقى تعشق أنديتها التي ترعرعت على حبها، لكن العين والقلب قد يحيدان الى الدوري الأقوى والأثرى والأشرس في العالم… الدوري الانكليزي.