«جيمس بوند» اللبناني!

غادة السمان

حكاية هرب كارلوس غصن اللبناني من الإقامة الجبرية في اليابان أدهشني أنها لم تتحول بسرعة إلى فيلم سينمائي عربي يستوحي قصة «جيمس بوند اللبناني»!
وسواء كان غصن مذنباً باختلاس أموال من شركة «نيسان» للسيارات أم بريئاً، فقد ظلموه حين تم احتجازه في اليابان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 وسجنه بدون محاكمة ثم أفرج عنه بكفالة مالية بآلاف الدولارات مع منعه من مغادرة البلاد.. وأقام الرجل في شقة محروماً حتى من لقاء زوجته (أي في سجن على حسابه مالياً!) لكن قطب صناعة السيارات اللبناني الأصل كارلوس غصن، لم يعد يطيق وضعه الغامض الذي قد يطول، وقرر الهرب من اليابان إلى لبنان حيث وطنه الأول وزوجته، والقلب يحمل جنسية واحدة. أما طريقة هروب كارلوس غصن من اليابان فتصلح حقاً لفيلم بطله «جيمس بوند» لبناني.
صحيح أنه قال في مؤتمر صحافي في لبنان عقده بعد وصوله، أنه لم يهرب من «العدالة اليابانية» بل من «اللاعدالة» بصفته الرئيس التنفيذي لتحالف «رينو.. نيسان» وسجنه في الإقامة الجبرية وحرمانه حتى من لقاء زوجته مع حراس أمام بابه!

أعصاب جيمسبوندية حديدية!

الجزء من حكاية كارلوس غصن الصالح لفيلم جيمسبوندي هو هربه من اليابان داخل صندوق كبير لحفظ الأدوات الموسيقية!! طار من مطار «أوساكا» الياباني مع ثقوب في الصندوق حيث أختبأ ليستطيع التنفس. وحين وصل إلى تركيا إلى مطار أتاتورك، استقبلته طائرة خاصة نقلته إلى مطار رفيق الحريري في بيروت/لبنان. وهناك شهر جواز سفره كمواطن لبناني ودخل لبنان بصورة شرعية، ووصل إلى بيته في حي «الأشرفية» البيروتي، وقضى ليلة رأس السنة مع زوجته بشهادة العديد من الصور لهما، التي نشرتها الصحف اللبنانية كلها تقريباً ونقلتها الصحف العالمية والتلفزيونات.

رواية الهرب والسينما العربية

حكاية «جيمس بوند» اللبناني كارلوس غصن يمكن أن تزود الأفلام العربية بدم جديد.. وصحيح أن القضاء الفرنسي جاء إلى بيروت للتحقيق مع كارلوس كمتهم وليس كشاهد، لكن الجزء من حكايته الذي يهم السينما العربية هو كيفية هربه من اليابان إلى لبنان.. إنه جيمس بوند عربي، وحكايته يمكن أن تضخ دماً جديداً حقاً في الأفلام العربية التي صار معظمها مملاً ومتشابهاً. فمن سيسبق الجميع إلى اقتناص الفرصة؟ هذا دون ذكر اسم اليابان أو اسمه طبعاً؛ (أي اسم كارلوس غصن).

ضد النقل الحرفي للحدث

لأنني لست محامية ولا قاضية، أعتقد أن الفيلم يجب ألا يكون نقلاً حرفياً لحكاية غصن مع أسباب الهرب، بل مجرد استلهام ما حدث له. أي أن بطل الفيلم لن يكون كارلوس غصن ولا شخصية مشابهة له، بل شخصية جديدة مذنبة أو بريئة (يختار ذلك مخرج الفيلم) بحيث يستطيع أن يقول بكل صدق: أي تشابه بين بطل فيلمي وأي شخص آخر أمر مرفوض ومصادفة. فالفن لا يسرق الواقع، بل يستلهمه، وبالتالي بطله جديد هو اخترعه، لكن حكايات الحياة هي المصدر الأول للفن شرط عدم نقلها حرفياً، وبالتالي عدم استغلال اسم كارلوس غصن لتسويق الفيلم.

هل سنأكل حلوى.. الحشرات؟!

أنتقل إلى موضوع آخر.. إنه عن أكل الحشرات (كالذباب والديدان مثلاً!) التي يبشروننا بها، حيث يتم تقديم طبق في بعض المطاعم الباريسية (الشبابية) تدخل فيه الحشرات كطعام. جديد (لذيذ!)! هل سنأكل في المطاعم الباريسية الشهيرة أطباق الدود الأصغر والحشرات (بالسكر) والجنادب المغطاة بالشوكولاتة ويرقات الحشرات المقلية؟.. و.. و.. وغير ذلك من (المشهيات)!.. وجدها البعض صحية؛ أي من الممكن تحويل الديدان والحشرات إلى أطعمة صحية مستساغة. أعترف أنني شعرت بالاشمئزاز لمجرد فكرة التهام الديدان والحشرات.. وبالمقابل (ناكدت) نفسي، فهل الطعام عادة؟
أنا مثلاً أحب الطبق الشامي اللبناني (الكبة النيئة) وهي عبارة عن لحم الغنم المطحون غير المطبوخ الممزوج بالبهارات والبرغل والبصل.. لكنني بالمقابل، لا أستطيع أكل (السوشي) الياباني لأنه السمك النيء غير المطبوخ وهو ما لم آلفه منذ صغري في المطبخ الشامي، وحين ذهبت في رحلة سياحية إلى هونغ كونغ (الصين) وتناولت العشاء على ظهر مركب، لم أكن أدري أنني آكل لحم الكلاب، ولو عرفت لما استسغته وتلذذت به كما حدث لي.. فهل الأكل عادة؟ وهل سيأتي يوم يأكل فيه سكان كوكبنا حلوى الحشرات وحلوى الديدان؟
لن أكون منهم بالتأكيد!

ما رأي المطبخ الفرنسي الشهير؟

لو كنت ما أزال أكتب التحقيقات الصحافية، لذهبت إلى الطباخ الشهير سيريل لينياك وإلى مثيلته هيلين دازوز وسواهما، للاستفسار منهما عن رأيهما في أكل الحشرات والديدان الصفراء، وهل سنطالعهما على قائمة طعامهما، مع العلم أن سيريل لينياك مشهور بإعداد الحلوى الفرنسية.. فهل هو على استعداد لطبخها مع (الزيز) كطعام لذيذ ما داموا في الولايات المتحدة يعدون السوشي بالزيز؟ كم أحن إلى مطبخ جدتي الشامية وطعامها العريق الصحي اللذيذ الذي يجعله الحنين أكثر شهية.

من تنقذ: القطة أم الموناليزا؟

إحدى المجلات الفرنسية الباريسية الكبيرة طرحت على العديد من الأدباء هناك هذا السؤال: إذا كنت في «متحف اللوفر» تتأمل بإعجاب لوحة ليوناردو دافنتشي (الموناليزا) الشهيرة وشب حريق، وقامت قطة لا تدري كيف تسللت إلى هناك بالمواء خوفاً من الحريق، فمن تنقذ: القطة أم الموناليزا (اللوحة الخالدة)؟
ومن طرفي، إذا لم أستطع إنقاذهما معاً، أعترف حتى ولو تم اعتباري من المجرمين بحق الفن، سأنقذ القطة؛ فهي كائن حي وستتوجع وهي تحترق، هذا إذا لم أستطع إنقاذهما معاً. جواب غير راق على الصعيد الفني، لكن ذلك ما سأفعله، فالقطة حية و»الموناليزا» لن تصرخ ألماً حين تلتهمها النار، بل سنصرخ نحن حزناً على الإبداع! لكن القطة روح حية.. ما رأي القارئ؟ هل ينقذ القطة التي ثمة الملايين منها، أم لوحة الموناليزا التي لا شـبيه لها؟

 

جيمس بوندغادة السمانكارلوس غصن