إيطاليا فازت أم انكلترا هي التي خسرت؟

حفيظ‭ ‬دراجي

يسود في الأوساط الكروية الفنية والاعلامية والجماهيرية خطأ شائع يركز على خسارة فريق أمام منافسه، وفي ذلك تقليل ضمني من شأن استحقاق الفائز وقدراته وجهده، بينما يذهب البعض الآخر الى المبالغة في التهليل للفائز بدون أدنى اعتبار للفريق الخاسر أو ظروف وأسباب الفوز أو الخسارة التي قد تكون موضوعية وطبيعية، كما الحال بعد نهائي كأس أمم أوروبا بين ايطاليا وانكلترا، الذي حسم بركلات الترجيح التي كان بإمكانها أن تبتسم لإنكلترا مثلما ابتسمت لايطاليا، وتنقلب الآية فيصبح الفائز خاسراً والخاسر فائزاً، ويحمل غاريث ساوثغيت فوق الأكتاف، ويتعرض بالمقابل روبرتو مانشيني إلى انتقادات لاذعة تحمله مسؤولية خياراته حتى ولو كانت في محلها، ولم يقصر في إحداث التغييرات الفنية والتكتيكية الضرورية.
وسائل الاعلام الانكليزية راحت تتحدث عن خسارة منتخبها وتحللها، وتحمل المسؤولية للمدرب بالدرجة الأولى، ثم للاعبين الاحتياطيين الثلاثة الذين ضيعوا ركلات الترجيح، رغم أن فكرة إقحام الحارس الاحتياطي ولاعبين في أوج لياقتهم لخوض السلسلة يعتبر أمرا عاديا وضروريا يقوم به الكثير من المدربين في هذه الحالة. ورغم أن منتخب بلادهم كان متميزا في كل مشواره، وكان محظوظا باللعب ستة من أصل سبع مباريات في “ويمبلي”، لكن الإنكليز تجنبوا الحديث عن إيطاليا وقوتها وصلابتها وانسجام لاعبيها وروحهم العالية، وكأن انكلترا لعبت أمام فريق في المتناول، ونسوا أن الأمر يتعلق بأحد أقوى وأفضل منتخبات البطولة، وأعرقهم وأكثرهم مشاركة لنهائيات البطولات الكبرى والتي بلغ عددها عشرة، بينها أربعة نهائيات لبطولة كأس العالم.
ربما الخيبة والحسرة دفعت الإنكليز للبحث عن أسباب الإخفاق في التتويج، خاصة أن الأمر يتعلق بأول نهائي في تاريخ منتخبهم، وربما فرصة اللعب على ميدانهم وجماهيرهم كانت مناسبة للتتويج بجيل متميز ينشط في أقوى دوري في العالم، لكن الكل نسي التذكير بأن هداف انكلترا هاري كاين فشل في صناعة أي فرصة في المباراة لأول مرة في مباراة رسمية مع منتخب انكلترا، ولا أحد يذكر أن منتخبها خرج من مسابقة كأس أمم أوروبا ثلاث مرات بركلات الترجيح، ولم يسبق له الفوز على إيطاليا في مبارياته الخمس في البطولات الكبرى، وأن إيطاليا لم تخسر على مدى 34 مباراة متتالية، وحققت ستة انتصارات متتالية في هذه البطولة التي سجلت فيها ثلاثة عشر هدفا، وهو أعلى رصيد لها في بطولة كبرى عبر التاريخ.
بالمقابل كان التركيز في وسائل الاعلام الايطالية على تتويج منتخب بلادها، وبطولة لاعبيها وحنكة مدربها بدون أدنى إشارة إلى أحقية الإنكليز في الفوز لو حالفهم الحظ في ركلات الترجيح، ونسي الإيطاليون أنهم كانوا في الوحل غارقين قبل ثلاث سنوات عندما بلغت انكلترا نصف نهائي كأس العالم بروسيا، ونسوا أن إسبانيا كادت تخرجهم من السباق في نصف النهائي، وأن التتويج جاء بفضل ركلات الترجيح أمام أحد أفضل منتخبات العالم وأقوى دوريات العالم والأكثر متعة واثارة، لكن الضغوطات الاعلامية والجماهيرية وحتى الرسمية كان لها تأثير سلبي على لاعبين لا يملكون خبرة وتجربة الإيطاليين، ولا ثقافة وتقاليد الانتصار التي يتميز بها من يلعب في منتخب إيطاليا مقارنة بمنتخب انكلترا الذي لم يحقق أي لقب قاري أو عالمي منذ 55 عاما.
صحيح أن نشوة الإنجاز قد تمنعك من التذكير بخصال المنافس وقدراته وأحقيته في الفوز هو أيضا، لكن عندما يتحقق بركلات الترجيح وجزئيات صغيرة، يجب عليك كاعلامي ومحلل التوقف عند عامل الحظ والتوفيق في كرة القدم، الذي يقلب النكسات الى انجازات، ويحول الفوز الى خسارة، والفرحة الى حزن، خاصة وأن المباراة النهائية حسمت على جزئية ركلة جزاء ضاعت وأخرى سجلها لاعب، لا يتحمل مسؤوليتها المدرب ولا الحارس، لذلك يمكن القول أن بلوغ النهائي يعتبر انجازا كبيرا لايطاليا وانكلترا، وفوز ايطاليا هو تتويج لا يقلل من شأن الخاسر وجهده وقدراته ولكم أن تتصوروا سيناريو توفيق الإنكليز في ركلات الترجيح وماذا كانت ستكتبه الصحافة البريطانية والايطالية.
المحصلة هي أن إيطاليا فازت بالنهائي الثاني من أصل أربعة، وانكلترا خسرت معركتها الأولى من نوعها في بطولة كأس أمم أوروبا، في انتظار معركة أخرى قريبة في مونديال قطر، قد تبتسم لمن بكى البارحة، وتخذل المنتشي، وهذه هي أحكام الكرة، يوم لك ويوم عليك.

أنجلتراإيطاليايورو2020