عندما يصبح النجم الرياضي أكبر من المنظم والراعي!

خلدون الشيخ

ألقت حركة النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بازاحة مشروبي شركة «كوكاكولا» وتفضيل الماء عليهما، الى جدال وردود فعل أعمق من قيام نجم بعمل ما يتناسب مع قناعاته ومبادئه، ليبرز السؤال هل فعلاً أصبح نجوم الرياضة اليوم أكثر قوة على رفض ما يساق اليهم من شركات ثرية عملاقة ومن منظمي مسابقة تعتبر الاكبر في بطولات قارات العالم؟
رونالدو أثر على سعر شركة «كوكاكولا»، في سوق الأسهم، وقدرت الخسائر بنحو 4 مليارات دولار، لكن سرعان ما تعافت وقلصت هذه الخسائر، رغم انها كلها خسائر على الورق وليس مادية محسوسة، لكن اصطدامها بنجم يتابعه أكثر من 550 مليون مشجع، قد يؤثر على مبيعاتها لاحقاً، وهو الاهم، خصوصا ان النجم البرتغالي مشهور بسيره على نهج صحي صارم في نظامه الغذائي الخالي من السكر، والذي أبقاه في أفضل صورة بدنية ممكنة في سن السادسة والثلاثين من عمره يصارع الصغار والشباب في عالم كرة القدم، ولهذا كانت كلمته الشهيرة في ذلك المؤتمر الصحفي «أكوا»، او الماء، علماً ان زجاجة الماء أمامه أيضا كانت من انتاج شركة «كوكاكولا».
لا شك انها كانت لحظة مهمة في تاريخ العلاقة بين الراعي (كوكاكولا) والمنظم (اليويفا) والمروج (اللاعب)، فالأخير غير ملزم بأي عقد اتجاه هذه الشركة للترويج لمنتوجها، لكن اليويفا مرغم بحسب اتفاقاتها على عرض منتوجات رعاتها خلال سير المباريات في الاستاد وفي اللوحات حول الملعب وأيضا في المؤتمرات الصحافية، علماً ان شكل الترويج التقليدي للبطولات عبارة عن ملصقات لشعار الشركات الراعية، تكون بارزة ومرئية خلف المتحدثين في المؤتمرات الصحفية أو خلال الحوارات التلفزيونية عقب المباريات، وليس بالمعنى الملموس أمام المتحدثين. لكن هذا الأسلوب الجديد بزج المنتج أمام النجم البارز، دائماً يعرض الراعي الى خطر الرفض، وبالتالي الدعاية السلبية، رغم عشرات الملايين التي تنفقها هذه الشركات كي تكون جزءا من هذه البطولة الشعبية، وبالتالي لا يستطيع الراعي او المنظم التحكم بأفعال النجم ولا اجباره على المساهمة في الترويج، بل أيضا الخطر يتضاعف من خسائر محتملة في العصر الحديث من عالم التواصل الاجتماعي. لكن بعض الرعاة يلعبون دوراً مختلفاً مع النجم مثلما فعلت «نايكي» عندما قررت الوقوف الى جانب مروجها نجم الغولف تايغر وودز بعد فضيحته الجنسية في 2009، على عكس شركتي «جيليت» و»غاتوريد» اللتين فضلتا الانفصال عنه والابتعاد عن ربط اسميهما باسمه، لكن ما فعله رونالدو يمثل خطراً مختلفاً للرعاة في عصر «السوشيال ميديا».
رونالدو في الواقع لم يعد يعتمد بشكل أساسي على الراعي التقليدي، كونه بنى امبراطورية تجارية تقدر مداخيها بمليار دولار عبر رواتب ومكافآت من الأندية التي لعب لها وأنشطة تجارية كالرعاية، لكن الأهم استغلال «السوشيال ميديا» افضل استغلال، في ظل وجود أكثر من نصف مليار متابع له على «انستغرام» و»فيسبوك» و»تويتر»، ما حرره من شروط وقيود الارتباطات التجارية لأنديته والبطولات التي يشارك فيها ومن رعاتها، فهو الأعلى دخلا من «انستغرام» بتقاضي مليون دولار على كل منشور تجاري ينشره في حسابه، وتقدر مداخيله بـ40 مليون دولار من حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى انه يدخل منها أكثر مما يدخله من راتبه مع يوفنتوس. ولهذا لن يكترث رونالدو لمنتجات شركات لا تتماشى مع قيمه ومبادئه، بل بات ينتقي ما يتماشىى مع أفكاره واعتقاداته، وهو ما قاد النجم الفرنسي بول بوغبا الى السير على النهج ذاته بابعاده زجاجة الجعة من ماركة «هاينيكن» خلال مؤتمره الصحفي رغم انها خالية من الكحول، لكنه قاد اليويفا الى سحب زجاجات الجعة من أمام اللاعبين المسلمين خلال المؤتمرات الصحافية في حال تقدموا بطلب لذلك، وهو بالموافقة مع شركة «هاينيكن» المنتجة وأحد الرعاة الاساسيين للبطولة.
تأثير النجوم بدأ يتعاظم بشكل مضطرد في السنوات الأخيرة، بل بات لدى النجم الرياضي الخيار في تقبل أو رفض أي شيء يريده ولا يتماشى مع هواه، فخلال الشهر الماضي، أعلنت نجمة التنس اليابانية ناومي أوساكا، المصنفة الثانية على العالم، انسحابها من بطولة فرنسا، احدى بطولات الغراند سلام الأربع المهمة في عالم اللعبة الصفراء، بعدما تعرضت لعقوبة مالية من المنظمين بـ15 ألف دولار وهددت بالاقصاء، في حال استمرت في مقاطعة وسائل الاعلام خلال البطولة، وهي فعلت ذلك خشية على حالتها النفسية فآثرت الانسحاب، رغم ان الحديث الى الاعلاميين جزء من الاتفاق في عقد كل اللاعبين المشاركين. لكن في عصر «السوشيال ميديا» كان سهلا على أوساكا شرح معاناتها لأكثر من 4 ملايين متابع لها على حساباتها المختلفة، ما أكسبها تعاطفاً كبيراً، ما أجبر منظمي بطولات التنس على اعادة النظر في علاقة الاعلام مع النجوم.
ما فعله رونالدو وبوغبا وأوساكا في الأيام والأسابيع الأخيرة سيجبر الرعاة والمعلنين على ابتكار وسائل جديدة في الترويج لمنتجاتهم، كما سيجبر المنظمين على التفكير ملياً في أساليب جعل النجم ينخرط في آلته التسويقية والترويجية لرعاته، ليتأكد الجميع ان النجم الرياضي لم يعد مجرد وسيلة ومركبة تحمل ما يريد الراعي والمنظم، بل أصبح أكثر قوة وتأثيرا من أي وقت مضى.

 

خلدون الشيخكأس الأمم الأوروبيةكريستيانو رونالدو