بطولة كأس أمم أوروبا السادسة عشرة في تاريخ المسابقة جاءت استثنائية بكل تفاصيلها وخصوصياتها، قد تحمل متوجا جديدا لم يسبق له الارتقاء الى منصة التتويج رغم كل التوقعات التي ترشح فرنسا وألمانيا وايطاليا وانكلترا واسبانيا وبلجيكا والبرتغال، حيث تأجلت لأول مرة في تاريخها سنة كاملة بسبب تفشي وباء كورونا، وتلعب لأول مرة في أكثر من بلدين، ولأول مرة في أحد عشر ملعبا، بنسبة حضور جماهيري لا يتعدى 30% من سعة الملاعب، وهي كلها معطيات تحمل بوادر متوج جديد في نهاية المطاف قد يكون بلجيكا الأولى في تصنيف الفيفا، أو انكلترا التي ستلعب كل مباريات دور المجموعات في لندن، واذا تأهلت في الريادة ستلعب باقي المباريات الاقصائية في لندن أيضا، في سيناريو لو خطط له الانكليز ذاتهم لما رسموه بهذا الشكل الغريب.
الإنكليز فازوا في الجولة الأولى لأول مرة في مباراة افتتاحية لبطولة كأس أمم اوروبا على حساب كرواتيا، سجل فيها رحيم ستيرلنغ أول هدف مع منتخب بلاده في بطولة كبرى، وهي مؤشرات إضافية لاقتراب موعد تتويج إنكلترا باللقب الأوروبي، بعدما بلغ في السنوات الأخيرة مستوى كبيرا من النضج بجيل جديد، هو ثاني أصغر معدل عمر في البطولة بعد تركيا، بأربعة وعشرين عاما وعشرة شهور، ينشط في أقوى دوري في العالم برفقة أفضل نجوم العالم، وجيل ساهم في بلوغ ثلاثة أندية نهائيي دوري الأبطال والدوري الأوروبي وهي السيتي والمان يونايتد وتشلسي. إنكلترا ستواجه فرنسا أو ألمانيا أو البرتغال في ثمن نهائي المسابقة، وإذا تخطته سيكون الطريق معبدا أمامها لبلوغ النهائي الذي تقرر السماح لأربعين ألف مناصر بحضوره لمرافقة منتخب انكلترا نحو التتويج الأول من نوعه في ذكرى الاحتفال بمرور ستين عاما على تأسيس البطولة.
بلجيكا بدورها قد تصنع الحدث بجيلها الذهبي وتتوج بأول لقب لها بعد دخولها القوي أمام روسيا في مباراتها الأولى التي فازت فيها بالثلاثة، بفضل ثنائية الغول لوكاكو المحاط بخيرة اللاعبين في أوروبا والعالم، وبلغت ربع نهائي مونديال البرازيل 2014، ويورو فرنسا 2016، ونصف نهائي مونديال روسيا 2018، وتحتل ريادة ترتيب منتخبات العالم في تصنيف الفيفا بعدما فازت بكل مبارياتها العشر في التصفيات، بهجوم رهيب تمكن من تسجيل أربعين هدفا، ما يجعله واحدا من المنتخبات المرشحة للتتويج الأول من نوعه ببطولة كبرى، سيكون مستوى المنافسة فيها كبيرا في وجود عدد كبير من المنتخبات القوية المرشحة بدورها للتتويج، والتحفيز فيها كبير للبلجيكيين الذين يسعون لتجسيد ريادة ترتيبهم لتصنيف الفيفا والتحرر من عقدة تلازمهم منذ ثمانينات القرن الماضي.
الجارة هولندا التي بدأت مشوارها بفوز درامي في مباراتها الافتتاحية أمام أوكرانيا، تمتلك بدورها نفس مقومات بلجيكا الفنية والبشرية التي تجعلها تنافس على اللقب، لكن أغلب التكهنات ترشح بطل العالم فرنسا لتكرار ما فعله منتخب 1998 الذي توج بطلا للعالم ثم بطلا لأوروبا بعدها بسنتين، وقد توج مجددا باللقب الأوروبي بعدما توج بكأس العالم في روسيا خاصة مع الوجه الذي ظهر به في مباراته الافتتاحية أمام ألمانيا، التي تملك بدورها كل المقومات التي تجنبها تكرار سيناريو مونديال روسيا الذي خرجت فيه من الدور الأول رغم النقائص التي ظهرت عليه في مباراتها الأولى، على عكس المنتخب البرتغالي حامل اللقب الفائز على المجر بالثلاثة بقيادة نجمه رونالدو، الذي صار أول لاعب في التاريخ يسجل في خمس بطولات متتالية، بعد ثنائيته أمام المجر، والهداف التاريخي للبطولة بأحد عشر هدفا متخطيا الفرنسي ميشيل بلاتيني.
البطولة الاستثنائية في كل شيء قد تحمل بطلا جديدا، أو على الأقل استثنائيا قد يكون البطل إيطاليا التي تريد تعويض إخفاقها في التأهل الى مونديال روسيا قبل ثلاث سنوات، أو يكون منتخب اسبانيا بجيله الجديد رغم الصعوبات التي وجدها في مباراته الأولى أمام السويد، لكن الأكيد أن نتائج المباريات الافتتاحية كشفت عن نوايا الكبار الذين لن يسمحوا بحدوث مفاجئة كتلك التي حققها الدنمارك سنة 1992 أو اليونان سنة 2004، فهل سيحمل زمن كورونا بطلا جديدا، أم أن بداية عودة الحياة الى مدرجات الملاعب ستقتل طموحات وأحلام الأجيال الجديدة؟