الرحلة المذهلة لمحرز وكانتي في عالم كرة القدم!

خلدون الشيخ

عندما يلتقي مانشستر سيتي مع مواطنه الانكليزي تشلسي في نهاية الشهر الجاري في اسطنبول على لقب دوري أبطال اوروبا، الأرقى بين مسابقات الأندية، سيقف لاعب من كل فريق يثير الاعجاب والدهشة بما وصل اليه في عالم كرة القدم، النجم الجزائري رياض محرز والنجم الفرنسي نغولو كانتي.
كلاهما ولد في ضواحي باريس، يفرق بينهما شهر واحد في الربع الأول من العام 1991، وكلاهما عانى في مطلع مسيرته، وبدأ من أسفل سلم الدرجات الاحترافية، ولم يشارك أي منهما مع فريق في الدرجات العليا (الأولى أو الممتازة) الا بعد بلوغه سن الـ23 عاماً، وهو سن متأخرة في عالم اللعبة، ولا يوحي عادة الى موهبة ستشق طريقها الى أبعد الحدود في أعلى سلم المجد.
بقي محرز مهمَلا لفترة طويلة في عالم اللعبة، رغم موهبته الكبيرة بقدرات هجومية رهيبة، تحوي قدراً من المراوغات الرشيقة والقدرة على التحكم والسيطرة على الكرة وصنع الفرص من مساحات ضيقة وتسجيل أهداف رائعة. بدأ محرز مع كيمبير في الدرجة الفرنسية الرابعة ثم لوهافر في الثانية. قبل ان يقطع بحر المانش حيث كانت بدايته الفعلية مع ليستر الانكليزي. وفي هذه الاثناء كان كانتي صاحب الابتسامة الشهيرة التي تخفي وراءها معاناة ورحلة عذاب طويلة بدأت منذ الطفولة، إذ اضطر للعمل في جمع القمامة لمساعدة عائلته في المصاريف، بعدما توفي والده وعمره 11 عاما، كان موهوبا كرويا والتحق بفريق بولوني، ولم يلعب في فريقه الأول إلا عند بلوغه سن الـ21، وكانت المباراة وقتها هامشية، لأن فريقه ضمن الهبوط للدرجة الثانية. وفي الموسم التالي في الدرجة الثالثة بدأ مشواره الفعلي، وكان يذهب إلى التدريبات بدراجة ويضع حقيبته على ظهره. وفي 2015 ضمه مكتشف المواهب ستيف وولش إلى ليستر بعد عام من انتقال محرز اليه. كانتي كان يريد الذهاب إلى مركز التدريبات جرياً على الاقدام، ولكن عندما شُرح له أن الأمور لا تسير بهذا الشكل في البريميرليغ اشترى سيارة مستعملة ورخيصة الثمن، كي تكون وسيلة نقله من منزله لملعب التدريبات، مبتعدا عن المظاهر وشراء السيارات الفارهة.
وفي موسم 2015-2016 فجر ليستر أكبر مفاجأة في تاريخ الكرة الانكليزية باحراز بطولة الدوري الممتاز، بعدما صارع من أجل الهروب من الهبوط، بل ضمن بقاءه في الموسم السابق له في اليوم الاخير من الموسم، لكن مع تعملق محرز، والقدرات الهائلة لكانتي في وسط الملعب، وهما لم يكلفا سوى مبلغ زهيد لضمهما من الدوري الفرنسي، مقارنة بالصفقات الضخمة للاعبين أقل قدرة وكفاءة منهما، والى جانب الهداف جيمي فاردي والحارس كاسبر شمايكل وقائد الدفاع مورغان، شكلوا العمود الفقري لليستر الخارق بقيادة المدرب الايطالي كلاوديو رانييري.
تشلسي قدر موهبة كانتي، وضمه في نهاية هذا الموسم بمبلغ يعتبر زهيداً بلغ 35 مليون جنيه استرليني، لكن تأثيره كان فوريا باحراز تشلسي لقب الدوري في الموسم التالي. وكانت شخصيته المتواضعة المحبوبة تلفت الانتباه، ففي إحدى المرات شاهد كانتي مشجعا لأرسنال غاضبا بسبب خسارة فريقه من تشلسي، فاعتذر منه والتقط صورة معه. وفي حادثة أخرى كان كانتي يصلي في أحد مساجد لندن عندما قابل أحد مشجعي أرسنال، فدعاه الأخير إلى المنزل، فقبل الفرنسي الدولي دعوته، وأمضى اليوم مع مشجع فريق الغريم لتشلسي. وفي هذه الأثناء رفض ليستر التخلي عن محرز حتى صيف 2018، وبعد قدومه إلى مانشستر سيتي، لم يتوقع كثيرون أن يصبح أساسيا. لكن في ظل الإدارة الرائعة لبيب غوارديولا، ارتقى مستواه من خلال عمل دؤوب بدون شكوى وكان دائما حريصا على التطوّر، وهي جزء من شخصيته التي اكتسبها بعد مسيرة مليئة بالصعاب في ضواحي باريس، فآمن بنفسه نظرا لقوة شخصيته وجنونه وهوسه بكرة القدم بحسب أصدقائه، حيث يمتلك ثقة لا تتزعزع، حتى خلال مواجهة الأوقات الصعبة، فأحرز بطولة الدوري مرتين اخريين مع السيتي وكأسي رابطة.
لكن رحلة النجمين لم تتوقف عند هذا الحد ففي صيف 2018 ساهم كانتي بشكل أساسي في احراز منتخب فرنسا كأس العالم، ووقف بخجل حتى تقدم زميله في الفريق ستيفن نزونزي وطلب منه أن يحمل الكأس، والتقط صورة له، بل خصه زميله بول بوغبا بالغناء في الاحتفالية العامة بالنصر. وفي أثناء تحضيراته لخوض المونديال، توفي شقيقه الأكبر بذبحة قلبية، لكنه تعالى على الألم وذهب لروسيا، وساهم في فوز بلاده بلقب انتظرته فرنسا 20 عاما. وبعدها بنحو عام كان محرز على موعد مع انتصار دولي، عندما قاد منتخب بلد والديه الجزائر، الذي فضله على تمثيل فرنسا بلد مولده، بكأس أمم افريقيا للمرة الثانية في تاريخه.
محرز وكانتي يسيران على خطى متوازية في سلم المجد، وأحدهما سيكون على موعد مع حلم جديد يتحقق في هذه الرحلة المذهلة باحراز لقب دوري أبطال اوروبا للمرة الاولى في مسيرته.

 

خلدون الشيخرياض محرزنغولو كانتي