كوفيد يجمّد السياحة والأبحاث العلمية في جزر غالاباغوس

مع وصوله إلى أميركا الجنوبية، جمّد كوفيد-19 بشكل كامل تقريبا النشاط البشري على جزر غالاباغوس في المحيط الهادئ غرب الإكوادور، لتتسيّد السلاحف العملاقة وسحالي الإغوانة وغيرها من المخلوقات المتوطنة الأرخبيل.

وأدى إغلاق بدأ في فبراير 2020 واستمر أربعة شهور بعد اكتشاف أولى الإصابات بكوفيد في المنطقة إلى توقف كامل للسياحة وتعليق شبه تام للأبحاث العلمية.

ويقول خوان كارلوس مونسايو (50 عاما) الذي يدير مركزا للغطس واضطّر لصرف موظفيه الستة “كانت تداعيات كوفيد قاسية للغاية.. كان الإغلاق فوريا، تم بين ليلة وضحاها”.

ويتابع “لم يكن لدينا الوقت الكافي للاستعداد”.

ومنذ يوليو، أعيد فتح الأرخبيل الذي يضم 234 جزيرة جزئيا أمام السياحة، لكن عدد الزوار اقتصر على ستة آلاف فحسب كل شهر، مقارنة بما معدله 23 ألفا قبل الوباء.

ولم تتعاف تجارة مونسايو إذ ينطلق قاربه أحيانا إلى البحر وعلى متنه زبونان فقط يدفع كل منهما مبلغا قدره 160 دولارا على الأقل، في حين يحتاج هو إلى خمسة زبائن ليتمكن من تحقيق الربح.

ويشير إلى مراكز غطس أخرى لم تعد تملك أموالا كافية لتجديد رخصها قائلا “من بين 12 (مركزا)، لم يعد هناك إلا ستة تعمل”.

ويضيف “كل شيء تغيّر لأننا نتوجّه إلى العمل لكن في ظل شيء من الخوف”، على الرغم من أن على السياح الخضوع لفحص كوفيد بنتيجة سلبية قبل المجيء إلى الجزر.

وأغلقت العديد من الأعمال التجارية أبوابها بينما باتت الفنادق والمطاعم مهجورة.

خسر قطاع السياحة أكثر من 850 مليون دولار بين مارس 2020 مارس 2021، بحسب تقديرات غرفة السياحة المحلية.

ويعتمد نحو 85 في المئة من الاقتصاد المحلي على السياحة.

وتذكر المسؤولة في وزارة السياحة مونيكا بايز أن السياحة تراجعت بنسبة 75 في المئة عن العام 2019 عندما زار الجزر 271 ألف شخص، جرّاء إغلاق المطارات والقيود على السفر التي فرضها الوباء.

وتشير إلى أنها أدركت على إثر ذلك الحاجة إلى سياحة “قائمة أكثر على الاستدامة.. كموقع تراث طبيعي من أجل البشرية.، هذه هي مسؤوليتنا أمام العالم بأسره”.

وجد العلماء أيضا أنفسهم بلا عمل خصوصا خلال الإغلاق.

ويقول عالم الأحياء في جزيرة سانتا كروز (واحدة من الجزر الأربع المأهولة) بيلايو ساليناس مازحا “لم أقضِ قط وقتا طويلا لهذه الدرجة من دون رؤية المحيط منذ كنت في رحم والدتي”.

ويعيش 30 ألف شخص فقط في هذه الجزر البركانية الواقعة على بعد نحو ألف كيلومتر غرب الإكوادور.

ويضم الأرخبيل أكثر من 2900 نوع من الكائنات، لا وجود لربعها في أي مكان آخر في العالم.

ويؤكد ساليناس، الذي يدير مشروع أسماك القرش التابع لمؤسسة تشارلز داروين، “تعد جزر غالاباغوس بمثابة ديزني لاند بالنسبة لعلماء الأحياء”.

لكن الوباء “غيّر المشاريع”، على ما يفيد الباحث الإسباني البالغ 37 عاما، ويقول لوكالة فرانس برس “لم يعد بإمكاننا (العمل) على الأرض”.

وطوّر عالم التاريخ الطبيعي البريطاني تشارلز داروين نظريته بشأن التطور بعد رحلة طويلة قام بها إلى الأرخبيل الذي يضم 21 بركانا، بينها 13 في حالة نشاط، وأعلاها “وولف” الذي يبلغ ارتفاعه 1707 أمتار.

ونظرا إلى منصبه، سمح لساليناس بالبقاء، لكن أعيد العديد من الباحثين الأجانب والمتدرّبين إلى بلدانهم فيما توقّف أكثر من مئة مشروع بشكل كامل.

وبالنسبة لداني رويدا، مدير حديقة غالاباغوس الوطنية المسؤولة عن 97 في المئة من مناطق غالاباغوس البريّة ومحمية مائية شاسعة تمتد على نحو 800 ألف هكتار، كان هناك “تأثير مباشر على البرنامج العلمي: تم تعليق 60 في المئة من الأنشطة البحثية التي كان مخططاً لتنفيذها عام 2020”.

وبفضل حراس الغابات التابعين للحديقة الوطنية وعددهم 300، تمكّنت من المحافظة على “أنشطة البحوث.. والإشراف على أسماك القرش والمواقع حيث تضع السلاحف بيضها والمحافظة.. على الإغوانة وأسود البحر وغير ذلك”، بحسب رويدا.

وقال “لم يسمح بالانتقال من جزيرة إلى أخرى”، فيما استُخدمت قوارب الحديقة لنقل مرضى كوفيد أو معدّات الفحص.

سجل الأرخبيل 1384 إصابة و16 وفاة جرّاء كوفيد-19 مقارنة بـ375 ألف إصابة و18400 وفاة في الإكوادور بأكملها التي تعد 17 مليون نسمة.

وتخطط الحكومة لتطعيم جميع البالغين المقيمين على الجزر بحلول أواخر أيار/مايو، لتكون “أول أرخبيل في أميركا اللاتينية” يصبح خاليا من كوفيد-19.

وكان من بين فوائد الإغلاق امتلاك العلماء الوقت الكافي لتجميع أبحاثهم ونشرها.

وفي هذا السياق، تقول عالمة أحياء أخرى من مؤسسة تشارلز داروين تدعى باولا لاهوات (30 عاما) وتدرس نوعا مجتاحا من الذباب يهدد 18 نوعا من الطيور “منحنا (الإغلاق) فرصة لنلتقط أنفاسنا وننظم ونحلل البيانات التي جمعناها”.

ابحاث علميةالاكوادورجزر غالاباغوسسياحة