نرى هذه الأيام على أغلفة المجلات العالمية صور الأمير هاري ابن الأميرة ديانا الشقراء، وزوجته الخلاسية ميغان ابنة دوريا سوداء البشرة. بل إن برنامجاً فرنسياً تلفزيونياً كرس سهرة كاملة لتقديم معظم الآراء حول مغادرة الأمير هاري وزوجته ميغان لبريطانيا. معظم الصحافيين وقفوا ضد ميغان (الانتهازية) ونبشوا ماضيها التلفزيوني وزواجها الأول، وجعلوا من الأمير هاري (ضحية) لها بزواجه منها، بل وحتى تحوله إلى «مدير لأعمالها» في هوليوود، ذلك كله لم يعن لي شيئاً كما مقابلة الأمير هاري وميغان مع المحاورة الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري، التي شاهدها الملايين، لكنني توقفت باهتمام بالغ عند قول واحد لميغان صدقته.. وهو أن عنصراً في العائلة المالكة البريطانية سأل عن مدى سمرة ابنها وهاري!.. وهذا صدقته بأسف.
ماذا لو جاءت الحفيدة سوداء البشرة؟
من الممكن علمياً أن تأتي طفلة ميغان (وهي الآن حامل بابنة) سوداء البشرة كجدتها الجميلة دوريا أو خلاسية كأمها ميغان.. وأعترف أنني سأكون مسرورة إذا كانت الطفلة ستولد سوداء البشرة لتكون أول حفيدة للملك الآتي شارلز سوداء البشرة، وأول أميرة من آل وندسور سوداء، لا كجدتها الشقراء ديانا والدة هاري..
لماذا سيسرني ذلك؟ لأنني عدوة للعنصرية بمعنى الكلمة، ولا أتوهم كالبعض أن لون البشرة البيضاء يجعل منهم أسياداً، والبشرة قشرة لا أكثر، والمهم هو الإنسان أياً كان لون بشرته.
وأعتقد أن أصحاب البشرة السوداء تم ظلمهم على مر العصور السابقة، وحان الوقت للمساواة بين الأبيض والأسود والخلاسي.. وسيكون من الجميل أن تشبه طفلة هاري وميغان المرتقبة لون بشرة جدتها دوريا، وليس بالضرورة لون جدة هاري والملكة إليزابيت.. أو والدته الأميرة ديانا الشقراء.
لنعترف دائماً: بعضنا كعرب عنصري!
لن أنسى يوماً حكاية تلك البنت الشقراء الحلبية السورية التي درست بتفوق في إحدى جامعات الولايات المتحدة وصارت أستاذة فيها، وأحبت البروفيسور زميلها الذي تصادف أنه أسود البشرة وتزوجها وعادت إلى حلب برفقته بعدما أنجبت طفلاً أسود البشرة كوالده، فنبذت الأسرة السورية زوجها وطفلها، وكانا يحلمان بالعمل في إحدى الجامعات السورية (وكان ذلك قبل الحرب المحلية)، ولكن أهلها نفروا من زوجها الدكتور المثقف لمجرد أنه أسود اللون، وهكذا غادرا سوريا وعادا إلى عملهما في U.S.A وتعرت حقيقة مخزية، وهي أن معظمنا كعرب عنصريون مثل بعض الأمريكيين الذين يتوهمون أن الأسود أقل قيمة إنسانية من الأبيض (ولن ننسى موت جورج فلويد الأسود تحت ركبة شرطي أبيض، وهو يقول: إني أختنق. وكم سررت يوم جاء باراك أوباما أسود البشرة (كما زوجته) رئيساً لجمهوريةU.S.A وكان أفضل الذين مروا هناك على هذا منصب الكبير.
عيد الميلاد الأول لكورونا!
ولد منذ عام ونيف الشرير كورونا مؤذياً، ويحتفل منذ بعض الأيام بعيد ميلاده وسط مناخ من الكراهية البشرية له بعدما قتل الآلاف في كوكبنا.. وليس بوسع أحد (المباركة) له بعيد ميلاده الأول (لا أطال الّله عمره) ذلك الوباء اللعين الذي تسبب في تخريب حياة معظم الناس وإفقارهم بسبب الحجر المنزلي كسلاح أول ضده. من طرفي، أعتقد أن السلاح الأول لوباء كورونا هو اللقاح.. أي أنه سلاح التطعيم.. وهو للأسف، ما زال شحيحاً قياساً إلى أذى الوباء. وآمل أن يحميني اللقاح إذا حصلت عليه من الحجر المنزلي، وأنا عاشقة التسكع في باريس والسفر إلى بيتي البيروتي والمناخ العربي لتعبئة بطاريتي الكتابية!
إسرائيل انتصرت في معركة التطعيم
للأسف الشديد، نجحت إسرائيل في معركة التطعيم، السلاح البشري الوحيد ضد وباء كورونا، واستطاعت في وقت قياسي تطعيم معظم الناس فيها (باستثناء الفلسطيني طبعاً، وبالذات الذين في سجونها). وشاهدت البارحة على شاشة التلفزيون الإسرائيليين يسهرون في المطاعم والمراقص غيرالمغلقة، ويحرصون على نشر صور ذلك. وهو ما لم يحظ به حتى الفرنسي بعد دخول مناطق كثيرة (منها باريس وضواحيها) فترة العزل المنزلي الجديد ثانية بسبب التقصير في تلقيح الناس.. واعترف بذلك رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون، مطالباً الإسراع في ذلك. وقبلها، أعلن ماكرون أن فرنسا في «حالة حرب» (يقصد مع الوباء) ولكن السلاح الوحيد ضد الوباء حتى اليوم هو التلقيح.. أما عن التلقيح في معظم بلادنا العربية فحديث كئيب يطول حول تطعيم أصحاب (الوجاهة) أولاً!
بعد ذلك الغم، حكاية مبهجة!
أعرف أن الحديث عن وباء كورونا وعن تكبر العرق الأبيض على الأسود مواضيع تثير الاكتئاب، وهو ما لا ينقصنا هذه الأيام!! ولذا، أختم بحكاية تبهج القلب.. وما زال في عالمنا ما يعيد ثقتنا الإنسانية، وهذه واحدة منها.. وقد نقلت قصتها الصحافية كريستيل غابوري في مجلة فرنسية، اسم السيدة التي قامت بعمل جميل شجاع هو الأمريكية «سام تالبرت» السيدة السوداء الأمية التي لم تحظ بتعليم القراءة والكتابة في صغرها، تزوجت وأنجبت وصارت تتعلم مع أطفالها، ومنهم أتقنت القراءة والكتابة، حتى أنها صارت اليوم معاونة لمديرة مدرسة. وحياة تلك السيدة من الأمية إلى عمل في إدارة مدرسة درس في الحياة. من الجميل أن يصارع المرء أقداره، وبدلاً من اليأس أمام أطفالها الذين يتعلمون القراءة والكتابة، ها هي دون حرج تحولهم إلى أساتذتها وتتعلم وتدخل في سلك التعليم. في وسع الحياة أن تكون جميلة، حين يسعى المرء إلى العلم ومن الجميل أن يعلمه أولاده القراءة والكتابة وليس العكس!