تعرضت مستضيفة كأس العالم 2022 قطر لانتقادات حادة من نجوم كرة القدم خلال التصفيات الاوروبية للمونديال في الاسبوعين الماضيين، عبر وقفات تضامنية دعماً لعمال منشآت البطولة التي ستقام للمرة الأولى في دولة عربية والشرق الاوسط.
ووجه نجوم منتخبات المانيا والدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا، رسالة احتجاجية على وضع العاملين في المنشآت القطرية، بعد انتقادات من منظمات حقوقية ومزاعم بوفاة الكثير من العاملين الأجانب، لكن هذا كله لا بأس به، كون قطر وعلى عادة الدول المستضيفة لنهائيات كأس العالم، بل لكل الدول المستضيفة للاحداث الرياضية الكبرى، تدفع ضريبة الاستضافة، وتقع فجأة تحت المجهر مع اقتراب موعد الحدث الكبير، الذي تتبقى على بدايته 19 شهراً.
طبعاً كل هذه الاحتجاجات لن تصل حد مقاطعة المونديال عندما يحين الوقت، وإذا نجح منتخب البلاد في التأهل إلى النهائيات، رغم امتعاض بعض النجوم من ظروف العمال بعد قراءة تقرير «الغارديان» البريطانية عن الظروف الصعبة، وهو ما قاد قائد منتخب ألمانيا وريال مدريد توني كروس الى القول: «العديد من العمّال القطريين، وأيضاً الأجانب، يعملون من دون فترة استراحة في درجات حرارة تصل الى 50 درجة مئوية. يعانون أحياناً من نقص في الطعام والمياه وهو أمر جنوني في ظل هذه الدرجات. لا يملكون تغطية صحية وهناك بعض العنف اتجاه هؤلاء العمّال. هذه الأمور غير مسموح بها بتاتاً».
طبعاً هذه صورة قاتمة وربما غير دقيقة، لبلد بذل كل ما يملك من مال وجهد وخبرة، لتكون تجربة المونديال مثالية، منذ لحظة الفوز بشرف الاستضافة في 2010، وصولا الى موعد المباراة النهائية في 22 ديسمبر/كانون الأول 2022، بل بذل جهوداً أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة لتحسين ظروف العمال الأجانب، حتى أن المنظمين تفاجأوا من سرعة اقناع نجوم منتخبات عالمية في ابداء امتعاضهم، حتى أن العاملين الأجانب في قطر أصابتهم الدهشة، وقال بعضهم إنهم ليسوا على الإطلاق في أجواء هذه التعبئة الحاصلة في أوروبا و»ربما هو مجرد نقاش كبير في أوروبا»، وقال عامل هندي يعمل في أحد مشاريع كأس العالم: «لم أكن أعلم أن شيئاً كان يحدث». وقال مسؤولون قطريون: «كنا دائما شفافين بشأن صحة وسلامة العمال»، وأشاروا الى أنه لم يكن هناك سوى «ثلاث وفيات مرتبطة بالعمل (في المنشآت) و35 لا علاقة لها بالعمل»، منذ بدء أعمال البناء في 2014. أي ليس 6500 مثلما ذكرت «الغارديان» التي حسبت كل الوفيات الطبيعية من كل القوى العاملة المقدرة بمليوني عامل، غالبيتهم من العمالة الآسيوية، بين ضحايا حقوق الانسان.
وتتجاهل هذه الاحتجاجات بيان منظمة العمل الدولية مؤخرا الذي أكد “قطر هي الدولة الأولى في المنطقة التي تطبق حداً أدنى غير تمييزي للأجور، في إطار سلسلة إصلاحات تاريخية لقوانين العمل في البلاد”.
وأدخلت قطر سلسلة إصلاحات على قوانين وأنظمة العمل المعمول بها منذ اختيارها لاستضافة كأس العالم في عام 2022، الأمر الذي أطلق برنامج بناء ضخما يوظف عمالاً أجانب.
لكن المزعج أكثر ان الفيفا لم يحرك ساكناً، بل حافظ على موقف متحفظ، مكتفياً بالقول إنه يؤمن «بحرية التعبير وقوة كرة القدم لإحداث تغييرات إيجابية»، رافضاً معاقبة المنتخبات التي قامت بالحركة الاحتجاجية، رغم أن قوانينه واضحة في منعها أي رسالات سياسية خلال المباريات، علما أن رئيسه جاني انفانتينو لطالما ما أعرب عن روعة ما شاهده خلال زياراته الى الدوحة، بل وعد بأن تكون النسخة المقبلة الأفضل في تاريخ المونديال.
لكن إذا عدنا إلى التاريخ، سنجد أن كل الدول المستضيفة للأحداث الرياضية الكبرى عموماً، ونهائيات كأس العالم خصوصاً، تعرضت لانتقادات حادة قبل موعد الحدث بقليل، فقبل مونديال 2006 التي استضافتها بلد كروس قائد المنتخب الألماني، انتشرت تقارير مرعبة عن الهوليغانز ومثيري الشغب، وانتشار العنصرية بصورة كبيرة في البلاد، عدا عن رواج تجارة الجنس وتهريب القاصرات، وطبعاً هو شيء سلبي، لكن هل عكست هذه التقارير كل الحقيقة؟ وقبل مونديال 2010 في جنوب افريقيا انتشرت تقارير مرعبة عن الجريمة في الشوارع والسرقات في وضح النهار وتجارتي الجنس والبشر، فيما ركز الاعلام قبل مونديال البرازيل 2014 على تعامل الشرطة «الوحشي» مع المتظاهرين، وعلى الحالة المعيشية المزرية والترحيل القصري لسكان البيوت البدائية القريبة من الاستادات، عدا عن وفيات العمال وعدم اكتمال عمليات بناء الاستادات عشية انطلاق المنافسات. وفي 2018 في روسيا كانت الصحافة الغربية نشطة في سرد السلبيات، وبينها الحالة المزرية التي يعيشها المشردون من أبناء البلاد والمهاجرين واللاجئين.
هذه هي «ضريبة» الاستضافة، وقد يزداد التركيز على البلد الخليجي الصغير حجماً، الكبير في طموحاته، بمرور الأسابيع المقبلة، لكن لن يصل الى حد المقاطعة اطلاقاً، فزميل كروس في المنتخب الألماني يوزوا كيميش قال: «المقاطعة؟ تأخرنا عشرة أعوام. حينها كان يجب أن نفكر في الأمر». أما مدرب بلجيكا روبرتو مارتينيز فقال: «مقاطعة المونديال ليست الحل. سيكون ذلك وكأننا ندير ظهرنا للمشكلة. على العكس يجب أن نواجهها». وأكد رئيس الاتحاد الفرنسي نويل لوغرايت أن منتخب بلاده «سيذهب الى قطر إذا تأهل»، رافضا فرضية المقاطعة.