تقول الرواية، إن الإمبراطور الروماني نيرون، كان يطمح في التوسع بمدينة روما، ويعمل على تطويرها لتلائم أحلامه، وأمام رفض مجلس الشيوخ لأفكاره، أرسل رجاله على رؤوس الأشهاد، ليصبوا الزيت على كل ما يواجههم، ويشعلون الحريق العظيم الذي أتى على ثلثي المدينة، وللإمعان في نزوته المدمرة، وقف نيرون على أعظم مسارح المدينة، وبدأ يإلقاء الشعر، تعبيرا عن فرحه باقتراب تحقيق حلمه الذي يعيش في رأسه لوحده.
ورغم تكذيب هذه الأسطورة من مؤرخين آخرين، دحضوا ما يشاع عن نيرون، وأكدوا أنه كان خارج المدينة وقت اندلاع الحريق، إلا أنهم لم ينكروا أن حكم الإمبراطور شابه الكثير من العيوب، وانتهى به الأمر بالانتحار.
روما بقيت 5 أيام في أتون حريق لم يبق ولم يذر، وبرشلونة اليوم تعيش في نكسة كبيرة، بخسارة قاسية وقاصمة لم تعتد عليها على أرض الكامب نو – معقل الانتصارات الكتالونية – والغريب في الأمر أن المدرب كومان بقي يتفرج طيلة 90 دقيقة وهو قليل الحيلة، وفي نهاية المأساة، التقطته الكاميرات وهو يبتسم للاعبي الخصم، وكأنه يعيد ذات الأسطورة التي مضى عليها أكثر من 20 قرنا.
هو ذاته كومان، الذي وقف خلف كل السقطات التي عاشها برشلونة في الموسم الحالي، وخاصة في المباريات الكبيرة الحاسمة، فكانت سقطته الأولى في الكلاسيكو، وتبعتها أمام أتلتيكو مدريد، وكلاهما على الكامب نو، ثم كانت سقطة أخرى بخسارة مباراته الوحيدة في دور المجموعات بدوري الأبطال على يد يوفنتوس وبثلاثية جعلته يتراجع للمركز الثاني في مجموعته الأوروبية ويضع مصيره بيدي القرعة التي وضعته في مهمة انتحارية ما باريس سان جيرمان، الذي يضمر ثأرا قديما يريد تخليصه على الكامب نو، ويلي ذلك الخسارة في نهائي السوبر على يد أتلتيك بلباو فيما يشبه الفضيحة، وبعدها يتلقى هدفين نظيفين من إشبيلية في قبل نهائي كأس الملك، وها هو أخيرا وليس آخرا، يتلقى طعنة باريس بمفعول رباعي، ويجلس على شفير الرحيل عن دوري الأبطال.
إذا كومان لم يكن حاضرا في المواعيد الكبيرة، وأحيانا في المواعيد الصغيرة كما حدث مع خيتافي وقاديش، وفي ذلك دليل على أن هناك أفكارا غريبة تدور في الرأس الهولندي، الذي فشل في إنقاذ برشلونة في اللحظات الصعبة، واكتفى بالتألق في المواجهات الهامشية.
نعم..تسلم كومان الفريق وهو خارج من موسم صفري، ولكنه اتخذ قرارات غريبة وهو ما يزال في بيته الهولندي قبل الوصول إلى الكامب نو بالتخلص من 3 لاعبين دفعة واحدة وبشكل مجاني، على رأسهم سواريز الذي يتصدر حاليا هدافي الليجا بقميص أتلتيكو، وراكيتيش الذي ما زال يتألق مع إشبيلية وصاحب الصفعة الثانية لبرشلونة في قبل نهائي الكأس، وارتورو فيدال الذي ما زال يقاتل مع يوفنتوس، وبدلا من العمل على تطوير أدائهم البدني والفني، اختار الانبطاح لقرارات الرئيس السابق بارتوميو في مسألة تخفيض النفقات بالتخلص من رواتب اللاعبين الثلاثة، والموافقة على أن يرتدوا قمصان المنافسين محليا وأوروبيا.
ومع رحيل ثلاثي الخبرة، لم ينجح كومان في توفير البدلاء المناسبين في مراكزهم، وأبرزهم برايثوايت الذي يفترض به أن يعوض سواريز، فتحول للاعب دكة بشكل سريع، كما أنه ما زال يتخبط في خياراته للتشكيل، وبشكل ينعكس سلبا على الفريق، وآخر هذه التخبطات كانت إجراء 5 تغييرات على التشكيل الذي فاز بخماسية على ديبورتيفو ألافيس، خلال مواجهة باريس المصيرية، وأغربها على الإطلاق الزج بالمدافع بيكيه أساسيا رغم أنه يخوض مباراته الأولى بعد غياب طويل، ومعه اعتمد على بوسكيتس الذي يعيش أيامه الأخيرة في الملاعب للجري وراء القاطرة البشرية مبابي، وألقى بالموهبة الشابة ريكي بويج خارجأ، كما أعاد ديمبلي أساسيا وقتل الرغبة المتوحشة في ترينكاو بعد أن نجح في هز الشباك 3 مباريات متتالية، وأثبت شراسته في التراجع الدفاعي، ولم يكتف كومان بذلك، بل تأخر في تغييراته لإصلاح الشكل القاتم الذي ظهر عليه الفريق، إلى ما بعد تسجيل الهدف الثالث والذي تلته الطعنة الرابعة القاتلة.
نيرون كانت نهايته الانتحار بعد حريق روما، ولكن كومان ليس بذلك الشخص الذي يمكن أن يتحمل مسؤولياته ويحمل أغراضه مغادرا قلعته، فتجاربه مع كثير من الأندية السابقة أثبتت أنه من النوع الذي يطرد ولا يستقيل، وقد يكون على الرئيس الجديد لبرشلونة، أن يتخذ قرارا تصحيحيا سريعا، إذا ما أراد أن يبقى النادي الكتالوي على قيد الحياة.. فيما تبقى من فتات الموسم.