لن يبكي أحد رحيل سنة 2020 ولن يستبشر الكثيرون بعام جديد خوفاً من أن يكون امتداداً بمعنى ما لسنة 2020. فقد كانت سنة (نحس) على كوكبنا حملت لنا وباء كورونا، وحملت للبنان – بالإضافة إلى كوفيد 19- كوارث كثيرة.
لبنان المتضرر الأول من 2020
ذلك الوطن الجميل لبنان، الذي كانوا يلقبونه من زمان بسويسرا الشرق، صار اليوم جريح الشرق بانهيار زلزالي لا مسبوق.. إنه الانهيار المالي والاقتصادي، وهبوط قيمة العملة اللبنانية وامتناع البنوك عن تسديد أموال المودعين، في إفلاس عام، وانتشار الفقر المدقع لوطن يحتضن آلاف اللاجئين، ثم جاء انفجار 4 آب (أغسطس) في المرفأ ليتوج ذلك البؤس كله بقتل المئات وتحطيم البيوت والزجاج الذي افترش الشوارع وصار آلاف (البيارته) من اللاجئين في بلدهم!
وشاهدت منذ أيام تحقيقاً مصوراً على شاشة التلفزيون الفرنسي، ونرى عبره أن شيئاً لم يتم إصلاحه من خراب ما بعد الانفجار.
والمروع أن (أولاد الحلال!) من أصحاب الحل والربط لا يسهلون تشكيل حكومة (حتى لحظة كتابة هذه السطور)، فهم على نهجهم لمزيد من نهب أموال الناس وتحويلها إلى حساباتهم خارج وطنهم المنكوب.
هل أنت وأنا «فئران اختبار»؟
طوال عام 2020 ونحن نحلم بلقاح ضد الوباء، واليوم أعلن العلماء عن إيجاد لقاحات، والطريف أن من كان يحلم باللقاح صار يخافه على نحو ما. بعد زمن الهلع جاء زمن الحذر، وتراجع عدد الذين كانوا يتوقون لتلقي اللقاح. وجاء في الصحف أن 75 في المئة من البريطانيين تحمسوا لتلقي اللقاح مقابل 62 في المئة في فرنسا، وهي أرقام تتبدل كل يوم إلى الأقل عدداً!
فالمرء لا يحب أن يكون فأر اختبار!
لسانك حصانك!
كانت جدتي الشامية العتيقة تردد لي مثلاً: «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك».
وأتذكرها باستمرار كلما سمعت عن شخصيات سياسية كبيرة تم استخدام أقوالها المسجلة على أشرطة في محاكمات ضدها. وأظن أن هذا المثل الشامي الذي كانت جدتي تردده حماني من ورطات كثيرة.
لا أحب المحاورات الصحافية الشفهية.. وأصر على الإجابة عن الأسئلة التي سيتم نشر إجابتي عليها كتابة. فالكتابة وثيقة حقيقية، ولذا أشترطُ أيضاً عدم حذف أي كلمة من جوابي أو عدم نشر الحوار.
اتصل بي هاتفياً أخ وصديق قديم، ولم أكن أعرف أنه صار شخصية مهمة في إحدى الإذاعات العربية، وصار في مخابرته يطرح علي أسئلة شخصية وأدبية، وكعادتي… أجيب بحذر، وتبين لي فيما بعد أنه كان يسجل المخابرة ويذيعها على الهواء، ولكن حذري إياه جعلني أنجو من الفخ!
والتسجيلات الصوتية تسببت في اتهام أحد رؤساء جمهورية فرنسا، بل وفي طلب المدعي العام سجنه لمدة أربع سنوات، ولم يسبق من قبل أن حدث ذلك لأي من رؤساء جمهورية فرنسا، ولما يصدر الحكم بعد (حتى لحظة كتابة هذه السطور).
اتق شر من أحسنت إليه
رغم الكوارث العامة التي أصابتنا عام 2020، ونتوقع امتداداً لها في السنة المقبلة، لكن ذكرى بعض الشرور تدوم.
ولن أنسى مثلاً أن إحدى الصحافيات المبتدئات جاءت راجية أن أجيبها على حوار، وقالت إن قبولي محاورتها سيفتح لها باب العمل في إحدى الصحف اللبنانية، وإنها بحاجة إلى المال.. واحترمت ذلك، وأعطتني ب.ع أسئلتها، وفوجئت بالأخطاء العربية المروعة فيها، من نصب الفاعل وما شابه، وأشفقت عليها وأعدت كتابة أسئلتها (بعد تصحيحها) خدمة لها وكتبت لها الأجوبة. وفي اليوم التالي، صدر الحوار بعنوان: غادة السمان بدورَي السائل والمجيب!! وسخر الوسط الصحافي مني يومئذ، وكان ذلك منذ أعوام طويلة لكنني تعلّمت درساً.
تسول لي نفسي ترك أي أسئلة، تصلني بكثير من الأخطاء الواشية بالجهل باللغة العربية، كما هي دون تصحيح لها، ولم يطاوعني قلبي. وصرت أصححها، لكنني أبعث بالأسئلة مع الأجوبة، بعد تصحيحي، مطبوعة على الآلة الكاتبة. وأتمنى أن نبدأ عام 2021 بروح إيجابية كهذه، فالعداء سهل، والطيبة تريح النفس، ويبقى أن يعاملنا عام 2021 بشيء من الطيبة والرأفة.
كسر كأس سنة 2021!
المتفائل يقول: نصف الكأس ممتلئ..
المتشائم يقول: نصف الكأس فارغ..
من طرفي، لا أريد التشاؤم، وأميل إلى التفاؤل غير الأحمق، وعقارب مؤشراتي الفكرية لا تشير إلى سنة جديدة حقاً تميل إلى ملء أكثر من نصف الكأس. ولذا قررت كسر كأسي للسنة المقبلة، وبذلك لا أتفاءل ولا أتشاءم، بل أرقب ما يدور، آملة عدم تكرار السنة السابقة 2020!
أتمنى للاجئين العودة إلى بيوتهم، أتمنى للمشردين في «قوارب الحظ» عدم الغرق وعدم الحاجة إلى هجر بلدانهم.
وأتمنى ألا يسقط المزيد من القتلى في فلسطين المحتلة، كذلك الصبي الفلسطيني وعمره 13 سنة الذي قُتل برصاصة إسرائيلية. وأتمنى للبنان أياماً أفضل، ولوطني العربي بأكمله.. أتمنى لمعارض الكتب أن تعود ويزدهر الإبداع العربي في الحقول كلها.
أتمنى، أتمنى.. «ولحظة حرية» هذه لا تتسع لأمنياتي، ولكن دون الكثير من التفاؤل.. وأتمنى أن أكون مخطئة وأن تكون سنة 2021 نقطة انعطاف نحو الأفضل وأصلّي لذلك، فصلوا معي!