حكايات الشُطار

بقلم سامح قاسم

احتفى التراث العربي بالشُطار والعيارين واحتفظت كتب الأخبار والتاريخ والتراجم والطبقات والسير الشعبية والنوادر بقدر هائل من حيلهم وأسالبيهم وقد أفرد لهم الجاحظ مساحات كبيرة بين كل ما دونه من أعمال عظيمة وخالدة.
ووصل الحال بالخيال الشعبى أن جعل من الشطار والعيارين أبطالا ملحميين كما حدث مع على الزيبق الذي يعتبره التاريخ الشعبى أشطر الشطار كما أنه من أحب الشخصيات إلى الرواة وجمهورهم في كل حدب وصوب.
ظل التاريخ الرسمى على مدى قرون يعتبر مثل هؤلاء مجرمين وخارجين على القانون لكن التاريخ الشعبى اعتبرهم إحدى ظواهر أو إحدى إفرازات القلاقل والهزات السياسية والاجتماعية كما أنهم قبل أن يكونوا مجرمين فهم ضحايا الظلم الاجتماعي واستبداد الحكام خاصة في العصر العباسى الذي شهد بدايات ظهور هذه الحركات التي كانت نواة لانتفاض المجتمع ضد حكامه الجائرين.
التاريخ الرسمى يصفهم باللصوص والدهماء والرعاع لكن التاريخ الشعبى كان له رأى آخر إذ اعتبرهم زعماء حركات المقاومة الشعبية في بغداد ودمشق والقاهرة ضد الغزاة والمحتلين والدخلاء بعد أن خضع الحكام واستسلموا أمام بطش المحتلين وخافت الطبقات العليا والغنية على مصالحها وثرواتها فهادنوا الغزاة وأعلنوا ولاءهم الكامل للمحتلين أو السادة الجدد عندئذ لم يبق في ساحة المقاومة إلا هذه الطوائف التي قادت المقاومة الشعبية وتصدت للعدوان الأجنبى ودافعت ببسالة ووطنية عن أرضها وقوميتها. حدث ذلك من شُطار العراق وعياروها، وأحداث الشام وفنيانها، وزُعار مصر وحرافيشها.
حكايات الشطار والعيارين كثيرة ومتناثرة في العديد من كتب التراث العربى منها كتاب الحيل للمدائنى وحيل اللصوص للجاحظ، وأشعار اللصوص لأبى سعيد السكرى، وكتاب لصوص العرب لأبى عبيدة. ويظل كتاب حيل اللصوص للجاحظ هو الكتاب الأشهر بين هذه الكتب نظرا لكونه الأشهر قدما بينها.
هذه الكتب تؤكد على أن الشُطار لم يكونوا حكايات شعبية وهمية أو محض خيال لكنهم كانوا موجودين فعلا في الفترات المضطربة التى سادت فيها الفوضى والنزاعات والفساد الاجتماعي والسياسى فضلا عن تهديدات وتدخلات الغزاة والأجانب.
وفى دراسته المهمة عن الشطار والعيارين يشير الدكتور محمد رجب النجار إلى أنه في رحلة بحثه عن عن هذه الطوائف في كتب التراث العربى عثر على نص تاريخى عند ابن الأثير يشير فيه إلى الزيبق وكيف تمكن من الاستيلاء على السلطة في بغداد وجباية أسواقها فقد ذر في حوادث سنة 444 هجريا يقول: “وفيها حدثت فتن بين السنة والشيعة في بغداد وامتنع الضبط وانتشر العيارون وتسلطوا (أى تولوا السلطة) وجبوا الأسواق وأخذوا ما كان يأخذه أرباب الأعمال، وكان مقدمهم الطقطقى والزيبق”.
ومن بين ما عثر عليه الدكتور النجار وتأكد من وجوده التاريخى وليس الشعبى أو وجوده في الدراما الشعبية فقط هو شخصية أحمد الدنف وذلك كما يقول الدكتور حين ذكر ابن إياس في وقائع سنة 891 هجريا خبر مقتله: ” وفيه (في شهر ذى القعدة سنة 891 هـ) رسم السلطان (سلطان العصر الملك الأشرف قايتباى أبو النصر المعروف بالمحمودى الظاهرى) بتوسيط شخص من كبار المفسدين، يقال له أحمد الدنف وله حكايات في فن السرقة يطول شرحها”
كان نشاط على الزيبق ودليلة قائما في بغداد أما أحمد الدنف فكان يمارس نشاطه في القاهرة. وعلى الرغمم من أن الزيبق ودليلة يسبقان أحمد الدنف تاريخيا بأكثر من أربعة قرون ونصف، إلا أن الرواية الشعبية جعلت من أحمد الدنف أستاذا للزيبق ودليلة كما جعلت من الزيبق بطلا شعبيا مصريا في حين أنه كان في بغداد، وجعلت من الدنف بطلا في بغداد رغما عن تواجده بالقاهرة.
الدراسة التى أعدها الدكتور رجب النجار والتى حملت عنوان (الشطار والعيارين) من الدراسات المهمة للغاية في مجال التراث العربى والتى تشير إلى ضرورة مراجعة التاريخ وإعادة النظر في حكايات الشطار والعيارين ورد الاعتبار لهم وتصويب ما ورد عنهم على لسان الرواة الشعبين سواء كان هذه التصويب تاريخيا وجغرافيا أوإنسانيا وقيميا.
الشطارالعيارينسامح قاسممقال