بقلم غادة السمان
ذهبت كعادتي للتسوق في مخزن كبير يقع بالقرب من بيتي، وفوجئت بعبارة في السطر الأخير من (الفاتورة) تقول: «العنف الذي تتعرض له النساء مرفوض، ومخزننا يتضامن معهن»، ويوم 25-11 هو اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
كورونا يشعل نيران العنف المنزلي
على الرغم من أنه قيل إن وباء كورونا (كوفيد 19) يصيب الرجال أكثر من النساء، ولكن «الحجر» المنزلي بسبب الوباء يزيد كثيراً في معاناة النساء من عنف لبعض الأزواج الذين لم يألفوا البقاء ليل نهار في البيت مع الزوجة، بل قد تمتد يد عنفهم أحياناً إلى الأطفال في لحظة جنون واختناق إرغامي!
ضرب النساء في عصرالفضاء
المسلسلات والأفلام الغربية استوحت كثيراً من ضرب الرجال، الأقوى جسدياً، للنساء العصريات الرافضات لهذا العنف.
والأمثلة تطول.. ومنها مسلسل بوليسي جميل اسمه «الشرطية النزيهة» واسمها إيزابيل، نائبة رئيس المخفر في بلدة فرنسية، وتلعب دورها الممثلة الفرنسية القديرة كورين توزيه، وقد شاهدت عدة حلقات من المسلسل تم تكريسها لضرب الرجال للنساء إذا حاولت واحدة منهن مثلاً قطع علاقة مدمرة مع رجل يعامل المرأة دونما احترام ولإنسانيتها ويضربها باستمرار، وهكذا يتابعن العلاقة المهينة مرغمات. وأذكرعلى سبيل المثال، حلقة من ذلك المسلسل البوليسي حيث يضرب الشرطي الوسيم صاحب المرتبة العالية كل عشيقة له تحاول التمرد على إرادته أو خياناته لها. وتجرؤ الشرطية إيزابيل على اتهامه بالتسبب في موت عشيقته السابقة ضرباً، ويتصادف أن يسمع الحوار صاحب صالة لتعليم المصارعة كان في المخفر كشاهد، وكان يعطف على القتيلة الشابة الهشة التي جاءته لتتعلم الملاكمة لترد عن نفسها أذى ذلك الشرطي المتعجرف القاتل، ولذا يدّعي أنه في طريقه إلى مرسيليا، مركز عمل الشرطي المعتدي على النساء، ويدعوه لمرافقته، ولكنه يذهب به إلى حلبة المصارعة التدريبية عنده ويشبعه ضرباً فهو أقوى منه جسدياً، وذلك انتقاماً للمرأة الهشة التي أحبها بصمت وكان يدرك عبثية رعبتها في تعلم الملاكمة لمواجهة ذلك الشرطي الذي لذّته في ضرب الحبيبات السابقات وإهانتهن.. كما العشيقات المتمردات على نزواته.
بيت لإيواء النساء المضروبات الهاربات
في حلقة أخرى من المسلسل نفسه، تصل الشرطية إيزابيل إلى بيت سري كرسته صاحبته الثرية للنساء المضروبات الهاربات من أذى الحبيب السابق أو الزوج (الذكوري) المتعجرف، حيث يجدن الأمان والراحة ريثما يقررن ما الذي سيقمن به.
في الحياة يحدث ذلك طبعاً!
منذ أيام شاهدت فيلماً فرنسياً مستوحى من قصة حقيقية لامرأة تدعى كاترين سوفاج، قتلت زوجها بعدما ظل يضربها طوال ثلاثة عقود ونيف من الزواج البائس ويغتصب أيضاً أولادهما.. ولا تدري كيف أمسكت ببندقية الصيد وأطلقت الرصاص عليه وقتلته بعد نحو 34 سنة من الضرب والصمت، وحكم عليها بالسجن طبعاً؛ فهي قاتلة على الرغم من أن السيد سوفاج أذلها وأولادهما أعواماً طويلة. وقد أصدر عفواً عنها الرئيس فرنسوا أولاند قبل انتهاء ولايته، وتوفيت السيدة سوفاج مؤخراً وتحولت حكايتها إلى فيلم من تمثيل جوزيان بالاسكو.
الحل على الطريقة الأمريكية!
ثمة فيلم أمريكي لعبت بطولته ممثلة جميلة هي جنيفر لوبيز، ففي الفيلم تزوجت رجلاً وسيماً بعد قصة حب وأنجبت طفلة. وبعدها صار زوجها يضربها إذا اعترضت على خياناته العلنية لها، كأنها صارت عقب سيجارة منطفئة في منفضته!
فما كان منها إلا أن تمردت وهربت مصطحبة طفلتها، وتعلمت المصارعة الحرة وعادت إلى البيت بعد أشهر للانتقام، وأخفت مسدس زوجها العنيف والسكاكين التي تعرف موقعها، فقد كان البيت بيتها. وحين عاد اشتبكت معه بعدما سخر منها، وكانت مفاجأته أنها صارت تتقن فن الدفاع عن النفس، وحين سقط على طاولة زجاجية واصطدم رأسه بخشبها خلال الصراع قتل.. وحين اتصلت برجال الشرطة لم يدهشهم موته واعتبروها سعيدة الحظ لنجاتها، فقد كانت قد تقدمت بالشكوى ضد عنفه الكثيرات من العشيقات، وكان يبدلهن كما الأحذية أيضاً!
ضرب زيد عمراً وزوجته أيضاً!
عالمنا العربي لا ينقصه ضرب الرجال للنساء، والمقولة السخيفة «ضرب الحبيب زبيب». والمرأة العربية المضروبة تتستر على ذلك بحكم تربيتها، وتتحمل الأذى بصمت خجلاً من الاعتراف بالحقيقة، وتصبر طويلاً. وقلما شاهدت فيلماً عربياً أو مسلسلاً متلفزاً حول ذلك الموضوع. بالمقابل، عايشت الكثير من الحكايات في الشام ولبنان عن تمرد المرأة العربية على ضرب الرجال للنساء في عصر الفضاء، ورفضهن للاستسلام للأمر الواقع.
وأذكر على سبيل المثال أن صديقة لي، أيام كنت في دمشق، تركت خطيبها لأنه ضرب الخادمة الصغيرة (13 سنة) في بيت أسرتها، وقالت لي: اليوم الخادمة وغداً أنا!
وشاهدت في بيروت موخراً في سهرة اجتماعية، رجلاً من أسرة عريقة يصفع زوجته، فما كان منها إلا أن ردت عليه بصفعة مماثلة! (وهي توازيه طولاً وقوة جسدية)، وقالت لي حماتها باستنكار: كلما ضربها ضربته بالمثل (وسرني ذلك، سراً!). لكنني كنت أفضل ألا يحدث مشهد الضرب المتبادل هذا، فالزواج ليس جولة في المصارعة الحرة!
من زمن الضرب إلى زمن الحوار
أمام تلك الحكايات كلها، أتمنى ألا يكون الضرب هو الحوار الوحيد الممكن، والقوة الجسدية حلاً. وأتمنى أن نعود إلى اكتشاف الحوار. فالعنف ليس حلاً، وأنعم الّله علينا بالعقل (خلافاً لبقية مخلوقاته) لكي نحسن استعماله. وأرحب باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ولكنني أتمنى أن نألف، كبشر، لغة الحوار لا الإيذاء الجسدي، وأن يتم احترام الأضعف جسدياً حتى إذا كان امرأة! أما عن العنف ضد المرأة في عالمنا العربي، فحكاية تطول ولا تشرح الصدر!