ارتبطت مصر تاريخياً بسرطان المثانة، وذلك نتيجة لوباء “البلهارسيا” الذي انتشر في السابق، ولا يزال المرض من أكثر الأورام انتشاراً في البلاد.
ونظراً لتفشي وخطورة هذا المرض عالمياً، فقد نشر فريق بحثي بكلية طب “ويل كورنيل” بالولايات المتحدة، يشارك به باحثان مصريان، دراسة مهمة في مجلة “نيتشر للمراسلات” عن الجينوم الوراثي لسرطان المثانة.
ويؤسس البحث الذي شارك به الطبيبان المصريان، بيشوي فلتس وكيرلس شهدي، لطريقة جديدة لاكتشاف دور الطفرات الوراثية في سرطان المثانة، ويحاول الإجابة عن أحد أهم الأسئلة الأساسية في بيولوجيا السرطان، وهي “كيف تتداخل الطفرات الوراثية مع الطفرات المكتسبة، لتقود عملية التحول الكبير في الخلية الطبيعية لخلية سرطانية، ومن ثم لخلية أكثر عنفاً قابلة للانتشار”.
البحث المنشور في الدورية العلمية الشهيرة، يقدم لأول مرة تفسيراً قابلاً للتجربة والتطبيق، بشأن العلاقة المعقدة بين الطفرات الجينية الموروثة، والأخرى المكتسبة، في تشكيل جينوم السرطان.
واحتوت الدراسة على تحليل كم مهول من التكوين الجيني لـ: 478 مريض بسرطان المسالك البولية (بإجمالي 1033 عينة من الورم الأولي والأورام المنتشرة وعينات سليمة)، و11035 شخص طبيعي لم يصب بالسرطان من قبل، و10420 مريض بأنواع سرطانية أخرى.
وتم استخدام الجيل الحديث من تقنية قراءة التتابعات الجينية لدراسة هذه العينات. وقام الباحثون بتطوير كثير من الخوارزميات والتحليل الإحصائي لوضع تعريف محدد لنوع الطفرات الوراثية التي تؤثر فعلا على وظيفة الجين.
أحد الباحثين، وهو كيرلس شهدي، تحدث قائلا: “يقاس صدق النظرية بصدق تنبؤاتها، لو كانت الطفرات الموروثة التي تم اكتشافها لها تأثير مدمر لجينات مهمة لعمل الخلية، لذا أولًا لابد أن نجد هذا جليا في التركيب ثلاثي الأبعاد للبروتينات الناتجة من هذه الجينات”.
وتابع: “ثانيا، كان لزاما أن نجد أن معدل الأليل الطافر (للتبسيط هو نسبة النسخ التي تحمل الطفرة مقارنة بالنسخ السليمة) أكثر وفرة في الخلايا السرطانية مقارنة بالخلايا الطبيعية”.
وإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن معدل “الأليل الطافر” يزداد من خلايا السرطان في المثانة، إلى الخلايا المنتشرة لأعضاء أخرى مثل الغدد الليمفاوية والكبد، مما يثبت أن هذه الطفرات تقود انتشار سرطان المثانة”.
وأوضح شهدي أن هذه الطريقة “ستفتح الباب لاختبار أفضل للأدوية التي تستهدف الطفرات الجينية، مثل مثبطات البارب والعلاج المناعي، كما ستحسن من وسائل الوقاية”.
الدراسة أعادت تعريف “الوراثة في السرطان” من مجموعة طفرات مختلفة التأثير الوظيفي في جينات معينة – مثل جين البراكا 1 و2 السائد في سرطان الثدي – إلى طفرات محددة التأثير الوظيفي، كما بيّنها البحث، تؤثر في كل الجينات المتعلقة بالسرطان سواء لها تاريخ وراثي ناجز أم لا.
إن نوع الطفرة بتأثيرها المحدد وليس “الجين” بشكل عام، هو الذي يحدد شكل تطور السرطان. فالمفهوم الذي سيعتمد على “الجين” بشكل عام سيكشف عن حفنة من الجينات التي تتأثر بعدد كبير من الطفرات الموروثة المختلفة مثل البراكا 1 و2، التي من السهل اكتشافها إحصائيا، لكن سيهمل المئات من الطفرات المدمرة في جينات أخرى يصعب إثبات تأثيرها إحصائيا”.
ويعد البحث الخطوة الأكبر للتخلص من الجملة المربكة لكل طبيب في تقرير الفحص الوراثي “طفرة غير محددة الأهمية”، كونه يقدم الذيل الطويل للتطّفر الموروث، الذي يشمل طفرات نادرة الحدوث لكنها ككل تحدث في معظم مرضى السرطان.
السيرة الذاتية للباحثين أصحاب الدراسة التي ستمثل طفرة في إطار تطوير علاج السرطان، تتضمن تخرج الدكتور بيشوي فلتس في كلية الطب بجامعة أسيوط، وبعد إنهائه زمالة طب الأورام بكلية طب “ويل كورنيل” وتدريب في معمل دكتور مارك روبن، وقد حصل على لقب “أستاذ مساعد” ومعمل خاص يحمل اسمه.
أما الدكتور فلتس، فعمل مديرا لأبحاث سرطان المثانة بمعهد “ِإنجلاندر” للطب الدقيق. أما الدكتور كيرلس سمعان شهدي، فقد التحق بقسم طب الأورام بكلية طب “ويل كورنيل” بعد حصوله على منحة زمالة الجمعية الأميركية لعلاج الأورام، كأول طبيب مصري يحصل على هذه المنحة. أيضا يعمل الدكتور شهدي بقسم علاج الأورام بكلية طب قصر العيني.