تسرد النقوش الصخرية قصة الحضارة الإنسانية وتطورها عبر الحقب الزمنية المختلفة، وتكشف تلك الفنون المنقوشة على الصخر بعض السمات المشتركة بين إنسان تلك الحقبة.
وتزخر منطقة نجران على امتداد رقعتها الجغرافية بالعديد من النقوش الصخرية والكتابات العربية القديمة التي أظهرت مراحل تطور الإنسان القديم وتطوره في الكتابة والحياة اليومية.
ويتوزع الإرث المميز ما بين منطقة حمى الثقافية التي تعد أكبر متحف طبيعي مفتوح للنقش الصخري حيث لا يكاد يخلو جبل من جبالها من نقوش متعددة أو خطوط بالمسند العربي أو الثمودي، ونقوش الذرواء، ووادي عرقان، وقرن الزعفران، وجبل الدريب، وجبل الكوكب، وقرية الأخدود الأثرية، والعديد من المواقع الأخرى في محافظات منطقة نجران.
وفي حديث لهيئة وكالة الأنباء السعودية قال أستاذ اللغات السامية والكتابات القديمة والآثار بجامعة الملك سعود الدكتور سالم بن أحمد بن طيران: “تتمتع منطقة نجران بكثير من المواقع والأماكن التي تنتشر بها الكتابات القديمة والفنون الصخرية والتي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، ومنه رسوم صخرية لجمال وخيول ووعول ونعام وأبقار وبعض الحيوانات المفترسة، بالإضافة إلى رسوم آدمية ومناظر الصيد والمعارك، وهذه الفنون الصخرية أعطت معلومات كثيرة عن ملابس وأدوات الزينة والأسلحة والحيوانات المستأنسة”.
وأضاف أن نتائج المسح الأثري في منطقة نجران أثمرت عن تسجيل وتوثيق عدد كبير جدًا من المواقع الأثرية التي تحتوي على نماذج عديدة ومتنوعة من الفنون الصخرية الآدمية والحيوانية والنباتية، ووسوم القبائل، والكتابات الثمودية والسبئية والحميرية والإسلامية (الكوفية).
وأشار إلى أن النقوش والفنون الصخرية في منطقة نجران تنتشر في عددٍ من المواقع الممتدة من آبار حمى إلى جبال الكوكب وجبال القارة، مروراً بوادي يدمة حتى وادي تثليث، وأغلبها يعود إلى فترة العصر الحجري الحديث (10000 – 4000 سنة قبل الميلاد)، بل إن البعض منها قد يعود إلى الجزء الأخير من العصر الحجري القديم (50000 – 10000 سنة قبل الميلاد)، بالإضافة إلى وجود عدد كبير منها مصحوبًا في الغالب بكتابات ثمودية أو سبئية تنتمي إلى الفترة اللاحقة أي من أوائل الألف الأول قبل الميلاد حتى الفترة الإسلامية.
وأوضح الدكتور بن طيران أن الكتابات القديمة في منطقة نجران تتألف من نقوش كتابية محفورة في الصخر، بعضها بخط البادية المعروف بالخط الثمودي، كما في جبال ثعر، و المسمَّاة، وجبل أم رقيبة، ونجد سهي، وغيرها، وهي قصيرة ومعظمها أسماء أعلام، إضافةً إلى أسماء بعض المعبودات، والبعض الآخر بخط المسند العربي الجنوبي القديم، وهي كثيرة وتتوزع في مواقع مختلفة مثل: الأخدود، وجبال الكوكب، وجبال النظيم، وعان جمل، وعان ذباح.
وبيَّن أن من أهم نقوش المسند في منطقة نجران النقوش الحميرية في موقع الأخدود الأثري، ونقوش حميرية سطرها أقيال الملك الحميري يوسف أسأر يثأر بعضها مؤرخ بعام 633 حميري الموافق لعام 518 م.
وأكد وجود نقوش عربية إسلامية (كوفية)، كثيرة بمنطقة نجران، تعود إلى الفترة الإسلامية المبكرة أي القرون الهجرية الأربعة الأولى، تتوزع في مواقع متفرقة بمنطقة نجران مثل: فرعة بلال، وجبل الذرواء في منطقة سقام، والمركب شرق مدينة نجران، وشعب بران، والأخدود، والنصلة العليا بجبال الكوكب ، وهذه النقوش قليل منها المؤرخ.
وأفاد أنه عُثر في النصلة العليا على نقشين كوفيين مهمين، يوجد إلى جوارهما نقش آخر مدون بخط المسند العربي الجنوبي، وعند قراءة النقشين تبين أنهما يحملان اسم الشخص نفسه الذي دون اسمه بخط المسند وهو طوق بن الهيثم، وهذا دليل يؤكد استمرار الكتابة بخط المسند العربي الجنوبي حتى بعد ظهور الخط العربي.
ووثّقت هيئة وكالة الأنباء السعودية في جولة ميدانية في مدينة نجران، العديد من النقوش والرسومات الأثرية القديمة وصولاً إلى بدايات القرن الأول الهجري، والتي تعكس التطور الحضاري الذي وصل إليه الإنسان في اهتمامه بالتاريخ، وحفظه بالنحت على صخور الجبال.
وقال عضو نادي نجران السياحي عبدالله الصقور وهو مرشد سياحي معتمد مهتم بالسياحة والآثار: “إن منطقة نجران تعد من أهم المناطق التي تزخر بالنقوش والفنون الصخرية المختلفة ، ومنها نقوش المسند الجنوبي، والنقوش الثمودية، والنقوش الإسلامية المبكرة والمتأخرة، إضافةً إلى فنون صخرية لحقب زمنية مختلفة تحاكي ثقافات وحضارات عاشت على هذه الأرض قبلنا”.
وأوضح الصقور أن كل حقبة تتميز بفنها الخاص ومن يقف على هذه الفنون الجميلة ويتفكر بها يجد أنها ليست رسوم عادية بل هي قصص وروايات ممتعة لأحداث عاصرها الإنسان القديم الذي عاش على أرض جزيرة العرب وقام بتوثيقها على الصخور لتصل لنا عبر الزمان بنسختها الأصلية، ويلاحظ على هذه الفنون الدقة والإتقان العجيب لذلك نجد أن كل فنان يقوم بتدوين أسمه بجوار فنه ليحفظ حقوقه الفنية فيكتب فلان وقر، ووقر تعني حفر على الصخر، ونجد في بعض المواقع أن الفنان أو الناقش يضع دعاءً أو لعنة على من يحاول تخريب أو طمس نقشه أو فنه الصخري”.
وأبان أن النقوش تتوزع في أماكن متفرقة من منطقة نجران، ومنها منطقة حمى الثقافية الأثرية، وجبال سنح وجد بها نقوش وفنون مميزة أيضاً سلسلة جبال رعم وجد بها فنون في غاية الروعة والجمال أيضاً جبال العلمان بمحافظة يدمة، وجبال بني حراضات وصولاً للوجيد، وجبال الساري ونعوان وصولاً لمحافظة ثار، بالإضافة إلى جبال عان حبونا التي تغص بالنقوش والفنون الصخرية الرائعة أيضاً في وسط الربع الخالي وجد نقش ثمودي ورسوم صخرية بجبل أبو شداد في حمراء نثيل.
وأشار إلى أنه عند الاقتراب من وادي نجران وموقع الأخدود الأثري نجد العديد من النقوش والفنون الصخرية على جبال نهوقة والجبال المطلة على القابل وشعب بران، وجبال مراطة، وجبل المسماة، وجبال المركب والخضراء القديمة، وجبل الذرواء بسقام وهو مليء بالنقوش الإسلامية المبكرة.
وأكد الصقور على أهمية هذه النقوش والفنون الصخرية بوصفها متاحف مفتوحة ومعالم سياحية ذات أهمية بالغة للتراث الإنساني، داعياً الجميع إلى التعاون مع الجهات المختصة في الحفاظ عليها وتطويرها ونشر الوعي حولها.