يمكن أن تحدث تغييرات في التفكير والذاكرة مع التقدم في السن لأسباب متنوعة، ولا تكون التغييرات دائما سببا للقلق، لكن عندما تبدأ في التأثير على سير الحياة اليومية، يمكن أن تشير إلى العلامات الأولى إلى إصابة الشخص بأحد أنواع الخرف، بحسب ما ورد في تقرير نشره موقع Science Alert.
مصطلح الخرف
وتشرح نيكي آن ويلسون، باحثة علوم الأعصاب في جامعة نيو ساوث ويلز بسيدني في أستراليا، أن الخرف هو مصطلح شامل يستخدم لوصف مجموعة من المتلازمات التي تؤدي إلى تغييرات في الذاكرة والتفكير/أو السلوك بسبب التنكس في الدماغ.
لتلبية معايير الخرف، يجب أن تكون هذه تغييرات واضحة بما يكفي للتدخل في الأنشطة المعتادة وأن تكون موجودة في جانبين مختلفين على الأقل من التفكير أو الذاكرة، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يواجه شخص ما صعوبة في تذكر دفع الفواتير أو لا يستطيع التعرف على العناوين في مناطق مألوفة له سابقًا.
وفي حالات نادرة يمكن أن يصاب الأطفال بالخرف، بسبب تلف الدماغ التدريجي المرتبط بأكثر من 100 اضطراب وراثي نادر، مما يمكن أن يؤدي إلى تغييرات معرفية مماثلة لتلك التي تصيب بعض البالغين.
مرض الزهايمر
وتوضح الباحثة ويلسون أن مرض الزهايمر هو النوع الأكثر شيوعًا من الخرف، ويمثل حوالي 60-80% من الحالات. لذا فإنه ليس من المستغرب أن يستخدم العديد من الأشخاص مصطلحي الخرف ومرض الزهايمر بالتبادل.
وتعتبر التغيرات في الذاكرة العلامة الأكثر شيوعًا لمرض الزهايمر وهي ما يربطه العامة به في أغلب الأحيان. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يواجه الشخص المصاب بمرض الزهايمر صعوبة في تذكر الأحداث الأخيرة أو تتبع تواريخ اليوم أو الشهر.
ما زال غير معروف بالضبط سبب الإصابة بمرض الزهايمر. لكن يرجح العلماء أنه مرتبط بتراكم نوعين من البروتين في الدماغ هما بيتا أميلويد وتاو. وفي حين أن الجميع لديهم بعض بيتا أميلويد في المخ، لكن عندما يتراكم الكثير منه في الدماغ فإنه يتكتل ويشكل لويحات في المسافات بين الخلايا، وتسبب هذه اللويحات تلفًا (التهابًا) للخلايا الدماغية المحيطة وتؤدي إلى خلل في بروتين تاو.
يشكل بروتين تاو جزءًا من بنية خلايا الدماغ ولكن في مرض الزهايمر تصبح بروتينات تاو “متشابكة”، فيما يؤدي إلى تأثير سام للخلايا، مما يتسبب في موتها. ويُعتقد أن حلقة التغذية الراجعة تحدث بعدئذ، مما يؤدي إلى إنتاج المزيد من بيتا أميلويد والمزيد من تاو غير الطبيعي، وبالتالي تتزايد عملية تلف خلايا الدماغ.
يمكن أن يحدث مرض الزهايمر أيضًا مع أشكال أخرى من الخرف، مثل الخرف الوعائي، وهو ما يعتبر المزيج الأكثر شيوعًا للخرف المختلط.
الخرف الوعائي
وتضيف الباحثة ويلسون أن ثاني أكثر أنواع الخرف شيوعًا هو الخرف الوعائي، الذي ينتج عن اضطراب تدفق الدم إلى الدماغ. نظرًا لأن التغيرات في تدفق الدم يمكن أن تحدث في جميع أنحاء الدماغ، فربما تكون علامات الخرف الوعائي أكثر تنوعًا من تغييرات الذاكرة التي تُرى عادةً في مرض الزهايمر. وتعطي الباحثة ويلسون أمثلة على ذلك من بينها ان الخرف الوعائي ربما يظهر على هيئة ارتباك عام أو تباطؤ في التفكير أو صعوبة في تنظيم الأفكار والأفعال. إن خطر الإصابة بالخرف الوعائي يكون أكبر إذا كان الشخص يعاني من أمراض القلب أو ارتفاع ضغط الدم.
الخرف الجبهي الصدغي
تقول الباحثة ويلسون إن البعض ربما لا يدرك أن الخرف يمكن أن يؤثر أيضًا على السلوك و/أو اللغة، وهو ما يظهر في أشكال مختلفة من الخرف الجبهي الصدغي.
يعد الشكل السلوكي للخرف الجبهي الصدغي ثاني أكثر أشكال الخرف شيوعًا بعد مرض الزهايمر. ويصيب الخرف الجبهي الصدغي الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 65 عامًا.
يمكن أن يواجه مرضى الخرف الجبهي الصدغي صعوبات في تفسير المواقف الاجتماعية والاستجابة لها بشكل مناسب. على سبيل المثال، يمكن أن يدلون بتعليقات وقحة أو مسيئة بشكل غير معتاد أو يغزون المساحة الشخصية للأشخاص. إن الخرف الدلالي هو أيضًا نوع من الخرف الجبهي الصدغي ويؤدي إلى صعوبة في فهم معنى الكلمات وتسمية الأشياء اليومية.
الخرف مع أجسام لوي
تستطرد الباحثة ويلسون قائلة إن الإصابة بالخرف مع أجسام لوي تحدث نتيجة لخلل في تنظيم نوع مختلف من البروتين المعروف باسم ألفا سينيوكلين، والذي يظهر غالبًا في الأشخاص المصابين بمرض باركنسون.
لذا، ربما يعاني الأشخاص المصابون بهذا النوع من الخرف من تغيرات في الحركة، مثل وضعية الانحناء والمشي المتثاقل والتغيرات في خط اليد. وتشمل الأعراض الأخرى تغيرات في اليقظة والهلوسة البصرية واضطراب كبير في النوم.
لا يوجد اختبار واحد يظهر بوضوح ما إذا كان الشخص يعاني من الخرف، أو نوع الخرف. يأتي التشخيص بعد اختبارات متعددة، بما يشمل فحوصات الدماغ، واختبارات الذاكرة والتفكير، والنظر في كيفية تأثير هذه التغييرات على الحياة اليومية.
الخرف متنوع
وبالإضافة إلى الأشكال المختلفة للخرف، يعاني الجميع من الخرف بطرق مختلفة. على سبيل المثال، تختلف سرعة تقدم الخرف كثيرًا من شخص لآخر. وربما يستمر بعض الأشخاص في العيش بشكل جيد مع الخرف لبعض الوقت بينما يمكن أن يتدهور آخرون بسرعة أكبر. وما يهم هو إنشاء مجتمع أكثر ملاءمة للخرف وألا يتم التعامل معه على أنه وصمة عار كبيرة. لذا، فإنه من خلال معرفة المزيد عن الأنواع المختلفة من الخرف وفهم الاختلافات في كيفية تقدم الخرف، يمكن للجميع أن يقوم بدور أكثر إيجابية نحو رعاية وحماية مرضى الخرف.