مشهدٌ وصفه الكثيرون بـ”التاريخي”، وصول بعثة فريق “النصر” السعودي إلى العاصمة الإيرانية طهران، ومعهم هداف الفريق النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، حيث احتشدت جموع غفيرة من الإيرانيين في المطار وقرب مكان إقامة الفريق، تهتف باسم كرستيانو، وتحمل صوره، فيما شوارع العاصمة عُلقت فيها العديد من اللافتات الترحيبية بالنادي السعودي ونجومه الذين تتابع قطاعات واسعة من الشعب الإيراني أخبارهم، ويشاهدون مبارياتهم، فعشق كرة القدم أداة فعالة تقرب بين الشعوب، حتى وإن اختلفت اللغات!
مئات الفيديوهات حتى الساعة، إن لم يكن آلاف، تتدفق كل حين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، توثق الاستقبال الحافل الذي حظي به “العالمي”، حيث كان من المتوقع أن تحظى مباراته غداً الثلاثاء مع نادي “بيرسبوليس” الإيراني، بحضور جماهيري كبير، لولا القرار التأديبي الذي منع ذلك!.
الإيرانيون شعب محبٌ لكرة القدم، والتطورات الحاصلة في “دوري روشن” السعودي كانت محل متابعتهم. حيث كان الكلاسيكو الذي جمع بين “الهلال” و”الاتحاد” وانتهى بفوز الأول بـ 4 أهداف مقابل 3، في 1 سبتمر الجاري، تلك المباراة بثها التلفزيون الإيراني لأول مرة.
موقع “جادة إيران”، وفي تقرير نشره بتاريخ 8 سبتمبر الحالي، نقل عن خبير كرة القدم والعضو السابق في هيئة تحرير صحيفة “إيران” الرياضية الحكومية سعيد زاهديان، قوله “الآن، مع رؤية رونالدو وبنزيما والعديد من اللاعبين الآخرين الذين سيلعبون مقابل الفرق الإيرانية مثل برسبوليس وسباهان ونساجي في دوري أبطال آسيا، فإنّ ترفيه الناس جذّابٌ وممتع”.
إذن، هذه القدرة على “الترفيه” عبر الرياضة، لا تقف عند حد الجمهور المحلي السعودي، بل لديها القوة في أن تتجاوز الحدود، وتمد الجسور، ولتكون بذلك أحد الأذرع الهامة لـ”الدبلوماسية العامة”، التي تتجاور مع العمل الدبلوماسي السياسي والكلاسيكي، كونها تعتمد على التواصل بين الشعوب، وتحقق أهدافاً تتجاوز الملفات الشائكة التي تطرأ بين الدول، لتكون “قوة ناعمة”، إنما ذات تأثير عميق وبعيد المدى!
الإيرانيون عندما يشاهدون فريق “النصر” ومعه كرستيانو رونالدو وساديو ماني، وأيضاً فريق “الهلال” ونجمه نيمار دي سيلفا، و”الاتحاد” متوجاً بكريم بن زيما؛ كما بقية الأندية السعودية يلتحق بها لاعبون على مكانة عالية، حاصلون على ألقاب عالمية، ولعبوا مع فرق كبرى مثل: ريال مدريد، برشلونة، مانشيستر ستي، مانشيستر يونايتد، تشيلسي.. وسواها؛
عندما يشاهد الجيل الجديد من الإيرانيين هذه الكوكبة من النجوم في السعودية، سيدفعهم ذلك ليس لمتابعة “دوري روشن” وحسب، بل مختلف التطورات الاجتماعية والرياضية والثقافية والفنية والتنموية التي تحصل في السعودية، ما يقود لتكوين صورة إيجابية في أذهانهم عن جارهم الكبير على ضفاف الخليج العربي، ويثير لديهم الرغبة في “المنافسة الإيجابية” وأن تكون لديهم ذات التطورات الإيجابية والعملية الإصلاحية التي تحدث في السعودية، ورافعتها “رؤية 2030”.
الفيديوهات التي تظهر جماهير إيرانية غفيرة وهي تركض خلف حافلات نادي “النصر” لمسافات طويلة، وآخرون يتسلقون تلالاً كي يحظوا برؤية كرستيانو ونجوم “العالمي”، هي دليل على قوة “الدبلوماسية الرياضية”، وكيف أنها ستعزز فرص بناء علاقات حسنة بين السعودية وإيران، خصوصاً بعد تبادل السفراء، والزيارات المستمرة للمسؤولين والوزراء في البلدين.
هذه الشعبية الكبيرة لكرة القدم والأندية السعودية، يمكنها أن تدفع لحدوث تأثيرات ثقافية أوسع، وبالتالي تردمُ الهوة التي عملت بعض الأوساط المتشددة أو المذهبية على إحداثها في السنوات الأخيرة، واستمرار التعاون الرياضي في مختلف الحقول والمسابقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، سيكون أحد الرافعات المهمة للعلاقات الثنائية، وقوة ناعمة تشتغل على التغيير الثقافي الإيجابي والهادئ!