دعا الرئيس الصيني الأربعاء إلى تعزيز التدريب العسكري من أجل “قتال فعلي” لجيشه فيما لا تزال قواته تنتشر في محيط تايوان بعد مناورات تم خلالها محاكاة تطويق وضرب الجزيرة. يأتي هذا غداة تحذير وزير خارجية تايوان من حرب وشيكة على بلاده. وفيما استبعد مراقبون حاورتهم فرانس24 اجتياح الصين للجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، اعتبرت صحافية صينية بأن بلادها تريد “تحرير تايوان من الانفصاليين وليس غزوها”.
حث الرئيس الصيني شي جينبينغ القوات المسلحة في بلاده إلى “تعزيز التدريب العسكري من أجل قتال فعلي”، خلال زيارته الثلاثاء قاعدة بحرية في جنوب البلاد وفق ما أوردت قناة “سي سي تي في” الأربعاء.
ونقلت المحطة الصينية الرسمية عن شي جينبينغ قوله إن الجيش يجب أن “يدافع بقوة عن سيادتنا الإقليمية وكذلك عن حقوقنا البحرية ومصالح الصين، ويحافظ على الاستقرار الشامل لجوارنا”.
انتشار عسكري صيني وحظر جوي
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية الأربعاء بأن 14 طائرة حربية صينية عبرت خلال الـ24 ساعة الأخيرة خط المنتصف بمضيق تايوان، الذي يعتبر فاصلا غير رسمي بين الطرفين، حسب رويترز.
كما أعلنت وزارة النقل التايوانية الأربعاء بأن الصين ستفرض منطقة حظر جوي بشمال الجزيرة في 16 أبريل/نيسان بسبب “أنشطة فضائية” حسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.
منطقة حظر الطيران هذه ليست مرتبطة على ما يبدو بالتدريبات. فقد أعلنت الوزارة التايوانية أن بكين ستقيمها عند “مناطق التقاء عدد من الطرق الدولية بحجة -أنشطة فضائية-“. على أن يستمر الحظر 27 دقيقة من الساعة 09,30 إلى الساعة 09,57 (01,30 إلى 09,57 ت غ) الأحد.
وكانت بكين أعلنت أولا عن حظر لثلاثة أيام لكنها غيرت خططها بعد اعتراضات من تايوان.
تأتي هذه التطورات، غداة تقارير إعلامية رسمية قالت إن البحرية الصينية واصلت “تدريبا قتاليا فعليا” حول تايوان الثلاثاء، بعد يوم من إعلان بكين انتهاء المناورات وانتقاد رئيسة تايوان تساي إينغ وين الصين لسلوكها “غير المسؤول”. وكانت المناورات بدأت السبت بعد عودة رئيسة تايوان تساي إنغ وين إلى تايبه عقب اجتماع في لوس أنجلس مع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفين مكارثي.
وتقول الصين إن لها الحق في بسط سيادتها على تايوان ولم تتخل قط عن خيار استخدام القوة لإخضاع الجزيرة ذات الحكم الديمقراطي. وأجرت قواتها المسلحة محاكاة لهجمات دقيقة وحصار لتايوان خلال المناورات بإرسالها عشرات الطائرات المقاتلة والقاذفات والسفن الحربية وحاملة الطائرات “شاندونغ”.
“يستعدون لشن حرب على تايوان”
من جهة أخرى، أدان وزير خارجية تايوان جوزيف وو “تصرفات بكين” في مقابلة حصرية مع شبكة سي إن إن حذر خلالها قائلا: “يبدو أنهم يحاولون الاستعداد لشن حرب على تايوان”. وقال وو: “أنظر إلى المناورات العسكرية، وكذلك بياناتهم، يبدو أنهم يحاولون الاستعداد لشن حرب على تايوان”.
وردا عن سؤال المحطة الأمريكية حول ما إذا كانت تايوان تتوقع موعد العمل العسكري الصيني المحتمل، في ضوء تقييم الاستخبارات الأمريكية التي أكدت بأن شي أصدر تعليمات لقواته لتكون على جاهزية قتالية لغزو تايوان بحلول 2027، قال المسؤول التايواني إنه يثق في استعدادات بلاده.
وكان مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بورنز قال لمحطة سي بي إس نيوز في 26 فبراير/شباط الماضي: “أصدر الرئيس شي تعليماته لجيش التحرير الشعبي، والقيادة العسكرية الصينية، للتأهب بحلول 2027 لغزو تايوان، لكن هذا لا يعني أنه قرر الغزو في 2027 أو أي عام آخر”.
من جهته، حذر وانغ وينبين الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية خلال إحاطة إعلامية الإثنين من أن “استقلال تايوان والسلام في مضيق تايوان نقيضان”، مضيفا: “إذا أردنا حماية السلام والاستقرار في مضيق تايوان علينا أن نعارض بحزم أي شكل من أشكال الانفصال المؤدي إلى استقلال تايوان”.
سكان يفرون وآخرون مستعدون للحرب
أفاد موقع مجلة سلايت Slate.fr بأن عددا من سكان تايوان فضلوا الفرار من الجزيرة عوض الانتظار لمعرفة ما إذا كانت الصين ستنفذ تهديداتها بالغزو من عدمه. وعرض تقرير للمجلة الإلكترونية الفرنسية مسار عائلة من الجزيرة قررت اللجوء إلى فرنسا في ظل أجواء الحرب التي تخيم على تايوان.
من جهة أخرى، أفادت سلايت بأن استطلاعا للرأي يتم إجراؤه بشكل دوري في تايوان، كشف عن أن ثلثي السكان مستعدون لحمل السلاح للدفاع عن وطنهم.
كما قالت سلايت، إنه وفي حال قررت الصين شن الحرب على تايوان، فإن غالبية سكان الجزيرة سيكونون محاصرين بسرعة من قبل الجيش الصيني، ما يدفع حسبها كثيرون إلى التفكير في المغادرة على متن أول طائرة متوفرة قبل وصول الصينيين.
قوات صينية قرب تايوان… لماذا؟
يرى د. عمر الرداد خبير استراتيجي ومحلل سياسي، بأن بقاء القوات الصينية في المياه الإقليمية المحيطة بتايوان “مرتبط بمتغيرين نوعيين بالنسبة للصين، الأول هو زيارة رئيسة تايوان إلى الولايات المتحدة مؤخرا وهو ما اعتبرته الصين إشارة تصعيدية باتجاه استقلال الجزيرة التي تعترف واشنطن بأنها جزء من جمهورية الصين بدون تطبيق ذلك على أرض الواقع، إضافة إلى اتهام الصين لواشنطن بأنها تصعّد في جنوب شرق آسيا وتعمل على توتير الأوضاع من خلال الدعم العسكري”.
يضيف الرداد: “المتغير الثاني هو انطلاق مناورات عسكرية أمس (الثلاثاء) لأول مرة بهذه الصيغة بين الولايات المتحدة والفلبين أطلق عليها مسمى “كتفا بكتف” ومن المقرر أن تستخدم خلالها الذخيرة الحية، والتي أرسلت رسائل مباشرة على أنها تستهدف الصين، وهو ما عبرت عنه الأخيرة بالاحتجاج. كما أعتقد أن بقاء القوات الصينية في محيط تايوان جاء في إطار الرد على ما تصفه بالتصعيد الأمريكي في المنطقة وأنها تريد أن ترسل رسالة موازية تتساوى بحجم وقوة الرسائل الأمريكية للصين، عبر إرسال حاملات طائرات جديدة إضافة للمناورات مع الفلبين واستمرار الحديث والتفاعلات داخل الولايات المتحدة حول الدعم العسكري لتايوان. لكن من المستبعد أن يكون بقاء القوات الصينية يعني اندلاع حرب، كما نلحظ بأن الصين تتصرف دائما بحكمة وسياسات ناعمة وهي تريد أن ترسل رسائل توازي قوة الرسائل الأمريكية وفاعليتها في منطقة بحر الصين الجنوبي”.
“تحرير تايوان وتحقيق الوحدة وليس غزوها”
ترى الصحافية الصينية سعاد ياي شين هوا بأن تايوان “جزء لا يتجزأ من الصين” وهي تقول: “هذه حقيقة وواقع منذ القرن 17 وحتى الآن. كانت تايوان محتلة من قبل اليابان في أوائل القرن الماضي لمدة 50 سنة. بعد عودتها إلى الصين مع انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945، باتت الصين تتمتع بسيادتها وإدارتها الكاملة على الجزيرة. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، اعترف المجتمع الدولي بأن تايوان جزء من الصين. لكن بسبب الحرب الأهلية الصينية في أربعينيات القرن الماضي، لم تتحقق الوحدة الوطنية الصينية حتى الآن. رغم ذلك، يجري جانبي مضيق تايوان الاتصالات والتبادلات بينهما في إطار التوافقات المشتركة التي تم التوصل إليها في تسعينيات من القرن الماضي، حيث يجب على سلطة تايوان أن تجري كل الأعمال والتحركات في إطار صين واحدة”.
وأضافت شين هوا: “تتمسك الصين دائما بمعالجة مسألة تايوان عبر الطرق السلمية. لكن في ظل استمرار الاستفزازات الأمريكية ضد سياسة الصين الواحدة، مثل بيع الأسلحة لتايوان، وإجراء تبادلات رسمية مع الجزيرة، لا يمكن للصين أن تتخلى عن الإجراءات العسكرية لتحقيق إعادة توحيد البلاد. ثم إن مصير تايوان لا يتوقف فقط على رغبة أبناء الجزيرة، بل على رغبات ونيات مشتركة لدى كل أفراد الشعب الصيني. كما لا تمثل القوى الانفصالية التايوانية أبناء منطقة تايوان بأكملها، حيث إن عدد الانفصاليين قليل مقارنة مع جميع أبناء تايوان وحتى المواطنين الصينيين”.
كما قالت الصحافية الصينية إن مسألة تايوان هي دوما الأكثر أهمية والحساسية في قلب العلاقات الصينية-الأمريكية. وهي توضح في هذا الشأن: “الجانب الصيني يعارض بشدة التبادلات الأمريكية الرسمية مع منطقة تايوان بأي شكل وتحت أي اسم. لذلك، فإن الصين ردت بتنفيذ المناورات والتدريبات العسكرية حول الجزيرة، لعرض قوتها وإمكانياتها العسكرية للسيطرة على مضيق تايوان، إذا اندلع أي صراع عسكري هناك. كما تريد الصين عرض عزمها حكومة وجيشا وشعبا على حماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها. إذا تجاوزت القوى الانفصالية التايوانية والقوى الخارجية الخط الأحمر في هذه المسألة والذي يتمثل في استمرار التبادلات غير الشرعية بينهما لتحقيق ما يسمى باستقلال تايوان، لا شك أن الصين ستتخذ كل الإجراءات الضرورية وبما فيها العسكرية لحماية سيادتها الوطنية. تجدر الإشارة إلى أن التحركات التي تقوم بها الصين لضمان سلامة أراضيها وتحرير الجزيرة وتحقيق الوحدة وليس غزو تايوان”.
هل الجيش الصيني قادر حاليا على غزو تايوان؟
يرى د. عادل مينا باحث مختص في الشؤون العسكرية ومحرر متخصص في الطيران الحربي بأن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على مسألتين: هل المطلوب القيام بعمل عسكري محدود لإيصال رسالة شديدة اللهجة لتايوان وحلفاؤها الغربيين، كتصعيد أكبر من المناورات الحالية؟ أو القيام بعملية اجتياح كامل لشبه الجزيرة والاستيلاء عليها؟ وهو يشرح في هذا الصدد: “يتحدد ذلك بناء على شقين: الأول سياسي ودبلوماسي: المتمثل في إدارة الرئيس شي جينبينغ التي استغلت الحرب الأوكرانية لمراقبة سياسات الرئاسة الأمريكية وسياسات باقي دول الناتو من ناحية، والقرارات السياسية الروسية التي تؤثر بشكل كبير على مواضع اتخاذ القرار للقوى الغربية من ناحية أخرى، وأيضا قدرات الردع التي من الممكن أن تمنع الغرب من التصعيد أو التدخل بشكل مباشر في النزاع”.
كما قال الباحث: “بالنسبة إلى الشق العسكري، فقد تعلم الجيش الصيني درسا من انتصار أمريكا وحلفاؤها في حرب الخليج. تجلى ذلك من خلال تطويره وتحديثه في كل أفرعه وأيضا مؤخرا إدخال تغييرات على مستوى القيادات مع ظهور كوادر جديده تهتم بالتدريب على عمليات عسكرية موسعة، مع تكثيف المشاريع التدريبية وبالأخص للقوات البحرية والجوية وتنفيذ عمليات تدريبية برمائية هجومية لاختراق الشواطئ والاستيلاء عليها. لكن رغم تكوين فكرة حول تنفيذ مثل هذه العمليات المعقدة للاجتياح، إلا أن التنفيذ يعتمد في الأساس على توفير الزخم القتالي المطلوب عن طريق العدد والعتاد بسبب مستويات التصعيد المحتملة، ومخاطر الاصطدام بالقوات الأمريكية في المنطقة. وتقضي الخطط الصينية أيضا بالاستمرار في إجراء مناورات ضخمة لمحاكاة سيناريو مستقبلي”.
من جهة أخرى، أثار د. عادل مينا مسألة “استراتيجية القوى النارية المشتركة الصينية” حيث قال: “هي حجر الأساس لأي عمليات اجتياح مستقبلية. وهي عبارة عن هجمات متعددة بالصواريخ جوا وبحرا وبرا في حزمة واحدة في كل هجوم متعدد الطبقات، هدفه استنزاف وتآكل وحرمان القوات التايوانية من قدرات القيادة والسيطرة أو القدرة على تقديم حلول دفاعية سريعة. لكي يتحقق ذلك يمتلك الجيش الصيني غرف عمليات للقيادة متكاملة ومعززة بمنظومات الرصد والاستخبارات لرسم صورة إلكترونية كاملة للميدان لتحديد الأهداف بالتكامل مع مختلف أفرع الجيش عن طريق القيام بهجوم ثلاثي الموجات. أولا: ضرب مراكز القيادة وإحداث شلل في اتخاذ القرارات، ثانيا: الأهداف العسكرية المتمثلة في تجمعات القوات والمخازن اللوجستية، وثالثا: مهاجمة ما تبقى لدى العدو بعد الهجومين الأولين. هذا المفهوم للاجتياح الكامل في الوقت الحالي لم تستكمل الخطط لتحقيقه من قبل جيش الصيني خصوصا في الشق البحري والتي تنتهي في 2025، وأيضا مخزون القذائف الموجهة التي هي ضرورة قصوى في حالة التصعيد للمواجهة المحتملة مع القوات الأمريكية. إذا فإن الأمر لن يخرج بأي حال عن عملية عسكرية محدودة أو مناوشات حتى يتم استكمال تجهيز السفن الحربية والطائرات والذخيرة الهجومية الكافية”.