مينا – تتعدد الجهود الثقافية لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالعاصمة السعودية الرياض، لتشارف مختلف الأنشطة الأدبية والبحثية والعلمية والمعرفية بوجه عام، كما أنها لا تقتصر على تقديم الخدمات العلمية للباحثين والدارسين والمستشرقين، عبر مادة معرفية تتجاوز 3 مليون مادة بالعربية ومختلف اللغات العالمية، ما بين كتب ودوريات ومخطوطات ووثائق وصور، ولكنها تقوم كذلك بعقد الندوات الثقافية الكبرى ، حيث أقامت جملة الندوات الكبرى مثل: مصادر المعلومات في العالم الإسلامي ومستقبل الثقافة العربية، فضلا على قيامها بعقد برامجها الثقافية طوال العام منذ افتتاحها في العام 1985م
نوادر العملات:
تقتني مكتبة الملك عبدالعزيز أكثر من (8100 ) عملة نادرة من النقود العربية والإسلامية ما بين ذهبية وفضية وبرونزية يعود تاريخها إلى العصور الأموية والعباسية والأندلسية والفاطمية والأيوبية والأتابكية والسلجوقية والمملوكية، ومن دول المشرق الإسلامي ودول المغرب العربي وحتى العصر العثماني، وذلك إيمانا منها بأهمية المسكوكات كمصدر من مصادر التاريخ، ورسالة ثقافية تبرز طبيعة الحياة في الحقب التاريخية التي مرت على مر الزمان. ويحصر مشروع العملات النادرة جميع ما هو محفوظ من مقتنيات مكتبة الملك عبد العزيز العامة من العملات النادرة والتاريخية والإسلاميه والسعودية وغيرها، وفهرستها وتصنيفها بالطرق العلمية المتبعة في تصنيف المجموعات العالمية، وإعداد قاعدة بيانات خاصة بها، تشتمل على جميع البيانات الأساسية لكل قطعة على حدة، وإدخالها في نظام آلي خاص بها ، بحيث تكون متاحة للباحثين والمختصين من رواد المكتبة .
وخطت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة خطوات متقدمة في هذا المجال، حيث تم فهرسة وتصنيف ودراسة ( 7500) قطعة نقدية مختلفة تعود إلى عصور متعددة أي ما يعادل 90% من مجموعة العملات المحفوظة في المكتبة، وما تم إدخال بياناته وفهرسته وتصنيفه (4000) نقدية، ومراجعتها بحيث يتم الاستفادة منها كمخرجات تعد في الوقت نفسه بيانات أساسية لكل قطعة، إضافة لذلك تم إعداد التقارير عن المجموعات المختلفة من النقود المقدمة للمكتبة التي أدرجت ضمن هذا المشروع وتزويد الباحثين والباحثات لرسائل الماجستير والدكتوراه لدراسة مجموعة من العملات الإسلامية تقارب خمس رسائل جامعية لتفعيل وإثراء البحث العلمي الذي بات غائباً عن المشهد العربي في هذا المجال، إضافة الى عامل مهم وهو الاستفادة من هذه العملات النادرة في المناسبات والمعارض وإعداد المطويات التي تؤرخ لأندر النقود الإسلامية .
أقدم دينار:
تتسم معظم أنواع النقود الإسلامية التي تقتنيها المكتبة بالندرة العالمية، ولا يوجد لها مثيل حتى الآن، ومن بين هذه القطع -درهم عباسي- الذي جرى سكه في مدينة البصرة سنة 140هـ في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور ويتميز هذا الدرهم عن سواه من دراهم الخليفة المنصور بصفة عامة والدراهم العباسية المضروبة في مدينة البصرة بوجود كلمة (عبد) أسفل كتابات مركز الوجه وهي كلمة لم يسبق أن ظهرت على دراهم هذا الخليفة من قبل. ويعد هذا الدرهم إضافة مهمة لمجموعة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة والتي تشتمل على ما يزيد على سبعة آلاف قطعة من المسكوكات الإسلامية التي تعود لمعظم الأسر الحاكمة في التاريخ الإسلامي بحيث تغطي تواريخ سكّها فترة زمنية تمتد من ما قبل الاسلام وحتى القرن الرابع عشر الهجري .
و تتفرد مكتبة الملك عبدالعزيز العامة عن سواها من مجاميع المسكوكات على مستوى المملكة العربية السعودية بوجود العديد من القطع النادرة الأخرى حيث تشتمل على دينار التعريب الذهبي المضروب في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان الذي يعود لمرحلة التعريب الذي جرى سكه سنة 72-74هـ ،كما تضم الدرهم العربي الساساني المضروب في دمشق سنة 75هـ، والدينار الطولوني المضروب في فلسطين سنة 292هـ ، ودينار مكة سنة 451هـ ، ودينار عَثَّر المضروب سنة 338هـ ، والدينار البويهي المضروب في كرسي الديلم سنة 587هـ، إضافة إلى بعض النقود التي تعبر عن الحضارات التي عاشت في الجزيرة العربية.
معرض المسكوكات:
خلال العام 2022م نظمت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة معرضًا مختصًا في المسكوكات الإسلامية النادرة والمتميزة عبر العصور، من تلك التي تقتنيها المكتبة، ليشكِّل نافذة يطلع منها الزوار والمختصون والمهتمون من خلاله على مظاهر الحضارة الإسلامية بشموخها التاريخي.
وقد بذلت المكتبة في إعداد هذا المعرض جهودًا كبيرةً كي يخرج المعرض بصورة رائعة و ليعكس اهتمام المملكة العربية السعودية وقيادتها بالحفاظ على كل ما يخص التاريخ العربي والإسلامي، وتفاعلها مع الحضارات والثقافات المتنوعة.
وقد تضمن المعرض نماذج متعددة ونقودا وعملات وقطعا نادرة متنوعة لمختلف العملات والمسكوكات الضاربة في عمق التاريخ وتعطي كل قطعة منها مدلولاً دينياً ومعرفياً وتاريخياً وثقافياً وعسكرياً وفنياً مهماً، بوصفها وثيقة ومُسَلَّمة تاريخية، تعطي شرحاً وافياً للمراحل التاريخية والحقب الزمنية المختلفة وملامح هذه العصور وتحولاتها الاقتصادية والثقافية والحضارية التي سُكَّت فيها، ومدى متانتها الاقتصادية، كما تقدم مدلولاً معرفياً، وإبراز فنونها والوقوف على عمق ثقافتها وشمول معارفها ومجالات إبداعاتها؛ لما يعكس ثراء الحضارة العربية والإسلامية وتنوعها الكبير، وغيره من المدلولات التي تبرز الآيات والشعارات وجماليات الخط ونوع المعادن الذي سُكَّت منها.
وتم خلال المعرض: تدشين كتاب “الخط العربي على النقود الإسلامية” للدكتور نايف الشرعان، الذي كلفته المكتبة بإنجازه، والذي يرفد المكتبة العربية بدراسة الخط العربي وتطوره على مر العصور من خلال النقود الإسلامية، وذلك في ضوء العملات الإسلامية المحفوظة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، إضافة إلى إقامة ندوات للمختصين والباحثين، وقراءة مأثورات النقود الإسلامية ودلالتها، وكيف لعبت المسكوكات والنقود دوراً محورياً بصورة لم يسبق لها مثيل في أي عصر من العصور.
كما أتاح المعرض الفرصة للهواة في مجال جمع المسكوكات والعملات واقتنائها للمشاركة بعرض أبرز مقتنياتهم دعماً من المكتبة للباحثين والمهتمين والمختصين؛ لنشر الثقافة العربية والإسلامية والمحافظة عليها وإبراز قيمها الحضارية الراسخة.