ومع ذلك، أشعل موتها حركة احتجاج منحت صوتاً للغضب والإحباط العامين المتراكمان منذ أشهر.
اشتكى المزارعون من ندرة المياه، والطلاب من غياب الحرية، والمعلمون من تدني أجورهم والمتقاعدون من غياب المزايا.
وذكر الكاتبان قراءهما في”فورين أفيرز” بأنهما كتبا في المجلة نفسها منذ عامين، أن النظام الإيراني أضعف مما كان يعتقده العديد من المحللين وصناع القرار الغربيين، مضيفين أن احتجاجات اليوم توحي بأنهما كانا على حق. فالنظام مرن لكنه ليس منيعاً أمام القوى الاجتماعية الفاعلة في المجتمع الإيراني.
لا يطالبون بالإصلاح
منذ تأسيسه قبل أكثر من أربعة عقود، هزت التظاهرات النظام الثيوقراطي الإيراني، في 1999، نزل الطلاب إلى الشوارع للاعتراض على إغلاق صحيفة إصلاحية. وفي 2009، أصبح محمود أحمدي نجاد رئيساً لولاية ثانية بعد انتخابات مزورة، ما أطلق الحركة الخضراء، انتفاضة الطبقة الوسطى التي طالبت بانتخابات نزيهة.
وفي 2017 و2019، تسبب ارتفاع أسعار الوقود، والخبز، في احتجاج الإيرانيين الفقراء. تجزأت الانتفاضات السابقة حسب الطبقات. أما اليوم، وعلى النقيض، تجمع الإيرانيون تحت شعار “النساء، والحياة، والحرية.” إنها انتفاضة من أجل الكرامة، والحرية، ومحاسبة الحكومة.
وأضاف الكاتبان أن المتظاهرين الإيرانيين اليوم “لا يدعون إلى الإصلاح بل إلى زوال الجمهورية الإسلامية. هم يريدون تغيير النظام”.
ما يخافه الملالي
وصف المرشد علي خامنئي التظاهرات بمؤامرات أجنبية. وإضافة إلى هذا التلاعب بالعقول من المؤسسات، قامت قواعد اللعبة التقليدية لدى النظام على مواجهة المحتجين باستعراض سريع للقوة، وإغلاق منصات التواصل الاجتماعي، لمنع التنسيق، وتوقيف قادة الحراك، ثم انتظار تلاشيه التدريجي.
ورغم تمتعهم بالضراوة، تردد الملالي في استخدام القوة العشوائية. مثل جميع المستبدين، هم يخافون أن يتلكأ مجندوهم في إطلاق النار على مواطنيهم. مع ذلك، فإن استمرار التظاهرات وانتشارها على امتداد البلاد أربكا الحكومة.
تبلور قيادة
ثمة مؤشرات على أن هذا الحراك سيكون أكثر ديمومة من الاحتجاجات السابقة. لا تزال الانتفاضة الناشئة تفتقر لقادة، ولبنية منظمة. لا ثورة قادرة على النجاح دون ثوريين.
لكن بعد أشهر قليلة من اندلاع التظاهرات، انتشرت مجموعات مثل “شباب طهران” ودعت بنجاح إلى الاحتجاجات. ونفذت المعارضة أيضاً إضرابات في معظم محافظات إيران، فأغلق تجار البازار وأصحاب الأعمال أبوابهم تضامناً مع المحتجين. ومع تواصل التظاهرات، ستستنفد قوات الأمن قواها على الأرجح، إذ يخلف قمع المحتجين أثراً نفسياً.
قبضة النظام تضعف
قسمت الاحتجاجات في إيران النخبة السياسية، وهو شرط مسبق مهم آخر للتغيير الثوري، من المرجح أن يخشى خامنئي نأي العديد من المحافظين من المؤسسة بأنفسهم عن الحكومة. قال الرئيس السابق للبرلمان الإيراني علي لاريجاني: “يجب أن نوفر أماكن عامة للاحتجاج ووسيلة للحوار”.
وأصدر الرئيس الأسبق محمد خاتمي، بياناً حظي بقراءة واسعة أشاد بنوايا وشعار المحتجين. حتى صحيفة “جمهورية إسلامية” التي أسسها خامنئي، رفضت زعمه أن الأجانب خلف الاضطرابات: “مشاكل التضخم والبطالة والجفاف وتدمير البيئة دفعت الناس، من المتقاعدين والمعلمين والطلاب، إلى الاحتجاج” مثل هذا الدعم من السياسيين الرئيسيين غير مسبوق، ما يشير إلى أن قبضة النظام تضعف.
حائرون وبلا أفكار
طيلة الأزمة، تابع الكاتبان، بدا النظام غير مستقر. أمضى خامنئي المسن السنوات القليلة الماضية يطهر الحكومة من الجميع باستثناء المتملقين، وهو محاط الآن بمتوسطي كفاءة. الرئيس ابراهيم رئيسي مخلص متعصب، مقل في الكلام، ويفتقر للمخيلة ليتعامل مع الأوضاع المعقدة.
ويتأرجح رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي بين الدعوة للحوار مع المعارضة والتهديدات.
فشلت أجهزة الاستخبارات المتبجحة في كشف بداية التمرد وأخفقت في فهم أبعاده. أدت استراتيجية النظام استخدام العنف بطريقة متدرجة إلى مقتل أكثر من 500، وهو عدد كاف لتوليد شهداء وغير كاف لردع حراك احتجاجي. يبدو النظام متعثراً.
مصالح واشنطن
يؤكد الكاتبان ما لفتا إليه منذ سنتين حين طالبا الولايات المتحدة بالسعي إلى تغيير النظام. رغم أنه نتيجة غير مؤكدة، قد يكون هذا الهدف السبيل الوحيد لإبطاء جهود إيران لحيازة أسلحة نووية، وقد يقيد، إن لم يلغِ، تدخل إيران المزمن في الشؤون الدولية لجيرانها.
مع ذلك، تبقى المحركات الرئيسية للتغيير السياسي في إيران داخلية. غير أنه يمكن الرئيس جو بايدن اتخاذ خطوات لمساعدة وتسريع وربما توجيه المسار الثوري.
وداعاً للاتفاق النووي
أولاً، على الولايات المتحدة أن تعلن بشكل رسمي أنها ستنهي المفاوضات مع إيران على عودة محتملة إلى الاتفاق النووي.
وعلى الولايات المتحدة أن توضح أيضاً أنها لن تتفاوض مع حكومة تقمع الشعب الإيراني، وتزعزع استقرار جيرانها. سيحرم هذان الإعلانان النظام من القدرة على توليد الأمل لدى الإيرانيين في رفع العقوبات تحت حكمه.
من شأن إغلاق باب المفاوضات علناً أن يحرر إدارة بايدن لإنفاذ العقوبات المفروضة بشكل كامل.
وعلى الولايات المتحدة استهداف المسؤولين الإيرانيين المدانين بارتكاب أفظع انتهاكات حقوق الإنسان، ما يعزز الأمل لدى الإيرانيين في محاسبة الحكومة. يجب أن يترافق ذلك مع بيانات حكومية أمريكية داعمة بشكل كامل ومستمر للمتظاهرين، وأن تلفت الانتباه إلى أسوأ حالات القمع.
طرق أخرى
حسب تقيه وإدلمان، على الولايات المتحدة إضعاف رقابة النظام، وتعزيز تبادل المعلومات بين المتظاهرين. يمكن أن يساعد إرسال محطات ستارلينك هذا الجهد عبر تمكين المعارضة من الالتفاف على رقابة النظام.
واستخدمت تطبيقات برمجية مثل أوشاهيدي، لمراقبة الانتخابات في دول أفريقية جنوب الصحراء، ما سمح للناخبين بنشر صور عن مراكز الاقتراع.
يمكن إعادة تخصيص مثل هذه التطبيقات للسماح للإيرانيين بنشر صور عن الاحتجاجات في أماكن مختلفة من البلاد، الأمر الذي يمكن مجموعات متنوعة من المتظاهرين من التنسيق. ومع إجبار الحكومة على الإفراط في توسيع نقاط انتشار قواتها الأمنية، سيصعب على النظام إخماد التمرد.
وأضاف تقيه وإدلمان أن على الولايات المتحدة استخدام قنوات شعبية لوسائل التواصل الاجتماعي مثل تلغرام، لتزويد المعارضين بمعلومات دقيقة عما يحصل في البلاد.
بإمكان الاستخدام الخلاق لمثل هذه القنوات أن يساعد شخصيات جديدة على الظهور قادة للاحتجاج والتعتيم على بروباغندا النظام. وطالب الكاتبان واشنطن بتكثيف بث الخدمة بالفارسية في إذاعة صوت أمريكا، وراديو فاردا، وتمويل قناة للمغتربين الإيرانيين.
كما انهار الاتحاد السوفياتي
وفق صحيفة نيويورك تايمز، توقف عمال النفط، والصلب عن العمل تعاطفاً مع المحتجين في واحد من أكبر الإضرابات منذ عقود في إيران. على واشنطن بذل كل جهد لدعم هذه التحركات ومساعدة الناشطين النقابيين على التواصل مع بعضهم.
لقد ساعد الدعم الأمريكي لحركة التضامن البولندية في أواخر الثمانينات في تسريع انهيار الاتحاد السوفييتي. إن جهداً موازياً اليوم قد يساعد في انهيار مماثل للنظام.
اليوم لا تبدو التظاهرات على شفير إسقاط الحكومة لكن الثورات لا يمكن التنبؤ بها بحكم طبيعتها. ولمصلحة الشعب الإيراني والمصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة، على إدارة بايدن بذل قصارى جهدها لتتأكد أن الإيرانيين الذين يخاطرون بحياتهم في الشارع من أجل التغيير سينجحون في استعادة بلادهم.