مينا – شهدت العلاقات السعودية-الروسية حالات مد وجزر، لكنها لم تشهد تطورا أو تحسنا ملحوظاً خلال أكثر من ربع قرن عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، رغم وجود زيارات متبادلة على مستوى عال بين البلدين.
ويمثل لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالزعيم الروسي، فلاديمير بوتين، في عام 2015، على هامش منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي، نقطة تحول في علاقات البلدين، إذ اتفق الطرفان على فتح صفحة جديدة في علاقاتهما شملت العديد من الملفات، وتبع ذلك توقيع عدد من الاتفاقيات شملت مجالات مختلفة لعل أبرزها في مجال الطاقة النووية، وتفعيل عمل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري.
وجاء هذا التقارب مدفوعا بفتور العلاقات السعودية مع الغرب، على خلفية توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وهي التي تراها السعودية خصما تقليديا، واعتبرت الرياض أن الاتفاق أدى إلى إطلاق يد إيران لزيادة أنشطتها وتعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة بعد الإعلان عن الانسحاب الأمريكي من العراق، ما سمح بإطلاق يد إيران في هذا البلد، وجعل خطرها قائما على الحدود السعودية مباشرة.
وعززت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا في عام 2017 متانة الروابط بين البلدين، لتشكل انعطافة تاريخية إذ كانت هي الأولى لملك سعودي إلى روسيا، وتمخضت عن توقيع اتفاقيات تعاون بين الطرفين، أهمها اتفاقية لتصنيع بعض الأسلحة الروسية في السعودية، وفي العام الماضي، وصل التعاون العسكري بين البلدين مرحلة مهمة بإبرام اتفاق بينهما يهدف إلى تطوير مجالات هذا التعاون، وفق ما أكده نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، على هامش معرض المنتدى العسكري التقني الدولي “آرمي 2021”.
وفي موازاة هذا التعاون العسكري، كانت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تنمو بنسق تصاعدي أيضا، وقد تُوجت بإقامة ما يعرف بمنظمة أوبك بلاس، ويعتبر التنسيق في ملف الطاقة أكبر مجالات التعاون المشترك بينهما، وتخللته محطات مهمة بينها اتفاقهما على خفض إنتاج النفط في عام 2016، بعد انخفاض أسعاره، كما أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2019 أن تعاون روسيا ضروري لتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة.
وجاءت الحرب الأوكرانية لتعزز من هذا التعاون وزادت أهمية التنسيق بن الجانبين في هذا المجال بعد اضطراب سوق الطاقة وارتفاع أسعار النفط والغاز إلى مستويات غير مسبوقة، وأثمر هذا التعاون ارتفاعا بسعر النفط، بعد فرض الدول الغربية عقوبات واسعة على روسيا.
وفي مقابل توقف الاتصالات بين الزعماء الغربيين والرئيس بوتين الذي تعرضت بلاده لأقسى عقوبات يمكن ان تفرض على بلد ما، فإن الاتصالات واللقاءات بين المسؤولين الروس ونظرائهم السعوديين، وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان استمرت بوتيرة أعلى، وجرى أكثر من اتصال بينه وبين بوتين كان آخرها في الحادي والعشرين من يوليو/ تموز الماضي.
إن التقارب مع موسكو، يمنح الرياض هامشا كبيرا للمناورة السياسية، ويحقق لها التوازن في علاقاتها الخارجية بدلا من الرهان على بلد واحد أو أطراف تسعى لتحقيق مصالحها ببراغماتية واضحة.