تمثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تم توقيعها بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند خلال القمة التي عقدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي عبر تقنية الاتصال المرئي قبل أيام قليلة أحدث الإنجازات التي حققتها الدولة في بناء وتعزيز شراكاتها مع القوى الدولية المختلفة بما يضمن لها تحقيق أهدافها التنموية الطموحة ضمن رؤيتها وخططها المستقبلية للخمسين عاماً المقبلة، وهي الإنجازات التي جعلت من الإمارات شريكاً استراتيجياً موثوقاً به وقوياً لجميع القوى الدولية من دون استثناء، وصديقاً وفياً لجميع دول العالم وشعوبه.
ولا شك في أن توقيع هذه الاتفاقية الشاملة بين الإمارات والهند سيعزز من علاقات التعاون والصداقة والشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، ويدشن حقبة جديدة من التعاون الاقتصادي القائم على المصالح المتبادلة بينهما والوصول المتبادل إلى الأسواق والفرص الاقتصادية والاستثمارية بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين؛ إذ تمهد الاتفاقية لآفاق واسعة من التعاون الاقتصادي بما يرفع التجارة البينية غير النفطية إلى أكثر من 100 مليار دولار خلال خمس سنوات ارتفاعاً من المستوى الحالي البالغ 60 مليار دولار تقريباً. ولا يتعلق الأمر بالمنافع الاقتصادية بين الجانبين فحسب، بل تمتد مجالات التعاون إلى العديد من المجالات الأخرى السياسية والثقافية والاستراتيجية وحتى الأمنية، والتي تضمنتها «الرؤية الإماراتية – الهندية المشتركة» التي تم إطلاقها في ختام هذه القمة المرئية، بما في ذلك إنشاء «مجلس ثقافي هندي – إماراتي» لتسهيل التبادلات والمشاريع الثقافية وتعزيزها، وتحقيق الأمن الغذائي بعيد المدى لدولة الإمارات عبر تعزيز مرونة وموثوقية سلاسل الإمدادات الغذائية بين البلدين، والعمل معاً من أجل تعزيز الأمن الإقليمي من خلال تعزيز التعاون البحري للإسهام في الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة، إضافة إلى مواصلة التبادلات الدفاعية وتبادل الخبرات والتدريب وبناء القدرات، إلى جانب العديد من المجالات الأخرى مثل التعليم والطاقة النظيفة والتغير المناخي والتقنيات الناشئة التي تضمنتها الرؤية المشتركة كأساس لبناء علاقات أوثق وأقوى في المستقبل.
بناء الشراكات القوية مع مختلف القوى الدولية نهج إماراتي أصيل وواضح منذ تأسيس الدولة قبل خمسين عاماً، وهو أيضاً أحد الأسس المهمة التي ستقوم عليها السياسة الخارجية الإماراتية خلال الخمسين عاماً المقبلة، فمن خلال بناء وتعزيز هذه الشراكات الدولية ستستطيع الدول تحقيق طموحاتها الكبرى في المستقبل والتي حددتها وثيقة مبادئ الخمسين سواء على مستوى بناء الاقتصاد الأفضل والأقوى عالمياً، أو على صعيد ترسيخ السمعة العالمية لدولة الإمارات وصورتها الإيجابية، أو على صعيد تعزيز السلام الإقليمي والعالمي ونشر قيم التسامح والأخوة الإنسانية وغيرها من المبادئ التي تضمنتها وثيقة الخمسين، والتي سيسهل تحقيقها من خلال هذا التوجه لتعزيز الشراكات الدولية للدولة. وهذا الأمر أشار إليه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، إذ أكد سموه أن هذه الاتفاقية التاريخية بين دولة الإمارات وجمهورية الهند، تأتي ضمن برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية التي تبرمها الدولة تحت مظلة «مشاريع الخمسين» والتي تشكل إضافة نوعية إلى مسيرة تقدمها وازدهارها وركيزة للانطلاق خلال الخمسين عاماً المقبلة.
والأمر المهم هنا أن دولة الإمارات في إطار سعيها لتعزيز شراكاتها الدولية لا تعطي أفضيلة لقوة دولية على حساب أخرى، وإنما تتبنى نهجاً شاملاً يقوم على تعزيز علاقات التعاون والشراكة الاستراتيجية مع مختلف القوى الدولية، ولذا نجدها ترتبط بعلاقات استراتيجية وثيقة مع الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان والكثير من القوى الإقليمية والدولية الأخرى الصاعدة، والتي تنظر جميعها إلى دولة الإمارات شريكاً مهماً وفاعلاً في المنطقة والعالم، وهو أمر بالتأكيد يحسب لقيادة دولة الإمارات وسياستها الخارجية الحكيمة ودبلوماسيتها النشطة التي جعلت منها مدرسة متفردة في كيفية بناء الشراكات الدولية المتوازنة والفاعلة.