ليل عيد عودة الموتى أو «الهالوين» كما يدعوه الأمريكيون بدأ يتسلل إلى فرنسا.. ومن المفترض أن يرتدي الناس ثياباً مرعبة كما لو خرجوا من قبورهم للتو، أما الأطفال فيقرعون أبواب الناس الذين يعطونهم السكاكر كما تقتضي التقاليد الأمريكية.
نحن نقلد غالباً كل فن غربي أو عادة غربية، لكن عيد الموتى «الهالوين» لم يتسرب إلينا بحكم معتقداتنا الدينية التي ليست في عالمنا العربي موضوعاً للهزل. ذكرني ما تقدم ببرنامج تلفزيوني شاهدته البارحة على القناة الفرنسية الثانية، تقديم «أوليفيه مين» ومعاونته «سيدوني بونيك» حيث يرتدي المذيعون في البرنامج ثياباً عادية لائقة إلا منذ أيام في عيد الموتى (الهالوين) حيث وضع كل متسابق حلية بلاستيكية هي للرتيلاء السوداء التي لا يحبها أحد، ووضعت بعض مقدمات البرنامج على رؤوسهن أطباقاً تحمل الجماجم.. كقبعات. من طرفي كعربية، ثمة أعياد تقليدية أمريكية تتسلل إلى فرنسا، والمهم ألا نقلدها.. ثم إن الرتيلاء السوداء ليست محببة إلى أحد!
الرتيلاء والموز والذعر
في (سوبر ماركت) فرنسي كان الزبائن ينتقون أقراط الموز لشرائها، وهنا خرجت رتيلاء سوداء قادمة من بلد المصدر، ودب الذعر في قلوب الزبائن وتعالى الصراخ.. وداعاً لفاكهة الموز!
أي أن أحداً لا يجهل أن الرتيلاء ليست مخلوقاً محبباً.. فلماذا يقلد الفرنسيون بعض العادات الأمريكية في «عيد الموتى»؟ ومن قال إن للموتى يوماً واحداً؟ لكل راحل حبيب ذكراه في القلب، وهو ليس موضوعاً للهزل لاختراع الأعياد.. بل هو أمر مؤلم حقاً لكل من فقد غالياً.
شعرها أكثر طولاً منها!
لا أعتقد أن النكد ينقص حياة القارئ العربي. ولذا، أنتقل إلى موضوع آخر نرى فيه صورة لصبية جميلة قرأت عنها وشاهدت صورها في مجلة (كلوسر الفرنسية ـ 24 أيلول/سبتمبر 2021) فشعرها أطول منها، فهي لم تقم بقصه طوال حياتها كما تقول، وطوله حوالي مترين، وتساءلت: هل تكرس حياتها للعناية بشعرها؟
وهل دخول اسمها إلى موسوعة «غينيس» يستحق هذا العناء؟
لكن الناس أمزجة، وكل إنسان حر في جنونه الجميل الخاص!
أخط ذلك وأنا في طريقي إلى الحلاق لقص شعري الذي يكاد يصل إلى كتفي لا أكثر! وسيريحني أن يكون أقصر طولاً.. وسأتذكر تلك التي شعرها أطول منها!
حبوب منع الحمل!
نشرت الصحف الفرنسية خبراً مفاده أن حبوب منع الحمل مباحة في فرنسا مجاناً لكل الصبايا دون 25 سنة. أي إطلاق حرية العلاقات لهن دون مخاطر الحمل. وهنا أحب، انطلاقاً من تجربتي الشخصية، تحذير الفرنسيات؛ أي القادرات على القراءة بالعربية، بعدم الاطمئنان لحبوب منع الحمل، غير الفعالة دائماً.
حين تزوجت، قررت (وعريسي) عدم الإنجاب إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على زواجنا ريثما نتكيف مع حياتنا الجديدة. وصرت أتناول حبوب منع الحمل، لكنني بعد شهر من الزواج شعرت بعوارض الحمل، واتصلت بطبيبي في بيروت الدكتور فايز سويدان، وبعد بعض الفحوصات قال لي: مبروك. أنت حامل!
وبعد عام وشهر من زواجي ولد ابني حازم، وكان ذلك أجمل ما حدث لي في حياتي. وقد كتبت ما تقدم لتنبيه الصبايا إلى أن حبوب منع الحمل لا تنجح دائماً في ذلك، وهذا فقط تنبيه مع العلم أن ولادة ابني أجمل ما حدث لي في حياتي.
أدونيس وسمير صايغ وتلك الليلة
لن أنسى يوماً فرحة وصول ابني حازم إلى كوكبنا! وبدأت الليلة بحضور الشاعر الكبير أدونيس لزيارتنا وفي رفقته الأديب سمير صايغ، قال لهما زوجي وهو يدخلهما إلى غرفة نومي، إنني متوعكة وغير قادرة على النهوض من السرير، لكنني أحب استقبالهما دائماً.
وما زلت أذكر أن الشاعر أدونيس قرأ لي ليلتها قصيدته الجديدة وقتها (قبر من أجل نيويورك) ولم أفهم شيئاً، أنا التي أتذوق شعره وأحبه، لكنني كنت أشعر بألم في بطني من نمط خاص. ولم يطل أدونيس الزيارة وسمير صايغ، إذ ما كادا يذهبان حتى نهضت من السرير بمعونة زوجي، وذهبنا إلى المستشفى، وليلتها ولد ابني الحبيب حازم.. بعد أوجاع تعرفها كل امرأة أنجبت. لكنني لحظة احتضنته وشاهدت وجهه، نسيت ألمي وغمرتني سعادة الأمومة، حماه الله. ولن أنسى أيضاً أصابعه الصغيرة كعيدان الكبريت، وهو اليوم شاب شاهق القامة.
ما أريد قوله باختصار، أن حبوب منع الحمل ليست الحل، أي قتل الأطفال قبل الحمل بهم.. ثم إنها لا تنجح دائماً في منع الحمل، ومن الأفضل التفكير بأسلوب آخر لحرمان النطفة الإنسانية من الحياة، منها مثلاً: الزواج! وصول ابني حازم إلى كوكبنا هو أجمل ما حدث لي، وشكراً لحبوب منع الحمل الفاشلة أحياناً في مهمتها!
المقاومة بالجمال
من النادر أن تكتب المجلات الفرنسية تحقيقاً حول بيروت، لا صلة له بالحرب والخراب وانقطاع الكهرباء وحتى الماء والوقود، وغير ذلك من ضروريات الحياة. ولذا، سعدت حين قرأت تحقيقاً مصوراً في مجلة فرنسية اسمها (وجهة نظر) والمجلة تتحدث غالباً عن الأميرات والأمراء وأجمل ما في كوكبنا من أمور واقعية.. وهكذا وجدتني أمام صورة لبيت بيروتي فاخر تقليدي، أما العنوان فكان ببساطة: «المقاومة بالجمال» وذلك بعد أشهر من الانفجار البيروتي المروع في المرفأ.. ويغطي التحقيق 3 صفحات من المجلة، وسرني ذلك لأنني ببساطة أحب بيروت وكل من يصور أماكن الجمال في تلك المدينة المغدورة.. وجاء في التحقيق أن بيروت رغم ما أصابها من أذى، ما زالت تحاول المقاومة بالجمال وبتصليح ما خربه الانفجار في 4 ـ 8 ـ 2020، أما صور التحقيق فهي عن قصر «سرسق» وهو قصر تحول إلى معرض فني، وكنت أيام عملي في مجلة «الأسبوع العربي» اللبنانية أراه على الجانب الثاني من الرصيف. وذلك التحقيق في المجلة الفرنسية كان يقول باختصار: بيروت لا تموت. لكنني وبصفتي سورية لبنانية، لا أقلق فقط على هذا الوطن الحبيب لبنان وأصلي كي لا تكون أحداثه اليوم بداية لحرب أهلية جديدة، لأنها لا تجدي ولا تصحح خللاً.. ولا تعيد الكهرباء إلى لبنان، ولا ترفع من شأن قيمة العملة اللبنانية، ولا تعيد إلى المودعين أموالهم من البنوك، ولا تحمي الناس من رصاص الغضب والموت.. ولا.. ولا..
وحمى الله لبنان وعالمي العربي من خراب يتهددنا على نحو ما.. بل والمزيد من الخراب.