saudialyoom
"تابع آخر الأخبار السعودية والعربية على موقع السعودية اليوم، المصدر الأمثل للمعلومات الدقيقة والموثوقة. انضم إلينا الآن!"

فرويد .. الإنسان والأسطورة

47
نجلاء محفوظ تكتب: فرويد .. الإنسان والأسطورة
نجلاء محفوظ

الأسطورة هي ما يتعدى كل تحديات الواقع “ويجاوزها” وينتصر عليها؛ ويطلق البعض على الناجحين من مشاهير العلماء بأنهم أسطورة لن تتكرر.. لا نقلل أبدا من تميز “العباقرة” وتحقيقهم لإنجازات غير مسبوقة بمجالاتهم لم يبلغها من أتوا بعدهم ولا ينفي ذلك أن لا بشر أسطورة؛ فالجميع يخطئ ويصيب ومنهم عالم النفس الرائد – عن حق – سيجموند فرويد..

لم يدرس فرويد علم النفس وأصبح بالتجربة “وبتراكم” الخبرات والنجاحات والإخفاقات أيضا المؤسس الحقيقي لعلم النفس الحديث؛ وما زالت نظرياته تدرس لليوم مع الاعتراض على بعض نظرياته فلا يوجد عبقري بلا أخطاء..

ولد فرويد في 6 مايو 1856 وتوفي في 23 سبتمبر 1939، وما بينهما عاش حياة ثرية بها تحديات وانتصارات وإخفاقات؛ ولم يكن صلبًا وقويًا وسعيدًا وواعيًا لما يفيده طوال الوقت؛ فلا أحد فعل ذلك وإن كان أهم علماء النفس..

رغب بدراسة القانون ثم تحول لدراسة الطب وتغيرت حياته.. واكتشف فرويد آليات الدفاع التي يلجأ إليها الإنسان – بلا وعي – كالإزاحة؛ إذا تعرض أحدهم للعقاب بالعمل فيصمت؛ ثم يضرب طفله، والتسامي بتجاهل الرغبة السيئة بفعل أمر سامي كمساعدة الغير أو أنشطة دينية، ومنها الإسقاط كأن نسقط عيوبنا على الآخرين للتهرب من مواجهتها والإنكار؛ أي إنكار ما يؤلم أو مشكلة كالإدمان مثلا والتبرير بالدفاع عن الخطأ؛ “للاستمرار” بارتكابه..

وهو ما فعله فرويد؛ فأدمن التدخين بشراهة ولم يكتف بذلك بل “برره” ووصفه بالمتعة التي يخطئ من يحرم نفسه منها!! وواصل التدخين حتى بعد إصابته بسرطان الفم وتعرضه لعمليات جراحية بسببه؛ وأثبت أن لديه تعلقًا “مرضيًا” بالتدخين فكان يراه أفضل وأرخص ترفيه..

وهو ما “يؤكد” جفاف علاقاته الإنسانية “ونزعته” للهروب من الناس والترفيه وحيدًا مع سجائره وربما فسر ذلك محاولاته للانتحار واكتئابه.. فقد عانى فرويد من الاكتئاب كثيرا، وقال: الاكتئاب ليس علامة ضعف بل إشارة لمحاولتك أن تكون قويًا لفترة طويلة جدا.

عالج نفسه من الاكتئاب بتعاطي الكوكايين وبدأ تعاطيه لتحسين المزاج أولا ثم تمكن منه!!

حاول فرويد جعل الكوكايين علاجًا وحارب في سبيل ذلك ولم ينجح ربما لأنه رفض الاعتراف لنفسه بالإدمان ووقع “بالفخ” الذي ينبه مرضاه حتى يتجنبوه وهو فخ الإنكار..

والثابت أن لا أحد ليس معرضًا للهزات النفسية طالما بقي على قيد الحياة وأن الاعتداد الزائد بالنفس ورؤية أمراض الناس أو عيوبهم – فقط – طوال الوقت “واختيار” تجاهل عيوبنا أو هزاتنا أو اضطرابنا النفسي “الطارئ” يمنحه الإقامة بأعمارنا، بينما رؤيته والاعتراف بأننا بشر ولسنا أساطير تتحرك بين البشر العاديين؛ يمنحنا الفرصة للمواجهة وللعلاج وللتعلم أيضا وإهداء الخبرات بلطف وبود وبصدق لمن يرغب.

عندما تأكد فرويد من خطورة الكوكايين ومن آثاره المدمرة تخلص من إدمانه “بمهارة” وتوقف عن وصفه للمرضي وعن الدعاية له.

وكان قد استخدمه على نفسه قبل وصفه لمرضاه وهو ما فعله كثيرا؛ فكان يجري على نفسه الأبحاث والتجارب قبل إجرائها على المرضى.

رُشح فرويد لجائزة نوبل بكل من الأدب والطب ولم يفز بهما!!
قال فرويد: أنا لست عالمًا أو باحثًا أنا “فاتح”؛ يقصد اكتشافه لأهمية اللاوعي بحياة كل إنسان؛ وكيف يتحكم بعض ما نختزنه بأعماقنا بتصرفاتنا وأهمية “التفتيش” بداخل عقولنا لمعرفة أسباب تصرفاتنا الواعية..

لا ننكر “تميز” فرويد وعبقريته ولكنها تسببت بارتفاع “سقف” توقعاته من نفسه وممن تعامل معهم؛ فقد توقع أن يكون رائعًا دوما؛ وتوقع “انصياع” مساعديه وخضوعهم المطلق له؛ ولم ينجح بهذه التوقعات؛ لأنها “تخاصم” الواقع..

تعرض فرويد لأزمات إنسانية منها “فشل” علاقته الوطيدة مع عالم النفس الشهير كارل يونج وكانت صداقة قوية “وتوقع” من فرويد أن يكون يونج “امتداده” العلمي؛ فكان يعده تلميذه المفضل والأكثر تميزا؛ وخاب توقعه “ورفض” يونج التبعية “العلمية” لفرويد واستقل عنه وانتهت العلاقة بعداء غير مبرر؛ سوى “اختيار” كل منهما لانتصار “الأنا” على التعاون العلمي من أجل حياة “أفضل” للبشر..

فلم يبد أحدهما مرونة “إنسانية” ولا تعمد لتجاهل “كبرياء” الآخر المبالغ به وخسر كلاهما صديقًا لا يعوض وخسر العلم نتائج اتفاقهما..

وربما حال وصف فرويد لنفسه بالسيد الأكبر في التحليل النفسي دون ذلك؛ ولا نراه مغرورًا كما يتهمه البعض فقد حقق اكتشافات هامة لم يسبقه إليها أحد وعانى من المرارة لعدم حصوله على جائزة نوبل..

واصلت ابنة فرويد أبحاثه في التحليل النفسي ولكنها لم تقدم الكثير..
وقع فرويد في خطأ طالما حذر منه العلماء وهو المبالغة بالإنحياز للرأي؛ فأرجع معظم مشاكل الإنسان للكبت الجنسي أو لمشاكل الغريزة الجنسية؛ والمؤكد أنها قد تكون “أحد” أسباب معاناة الإنسان وليس كلها..

نتفق مع فرويد القائل: المشاعر المكتومة لا تموت؛ فهي مدفونة وهي على قيد الحياة وستظهر لاحقا بطرق بشعة، وقوله: لا شيء كالألم يجعل الناس يتغيرون، وتأكيده أننا نسعى لتجنب الألم أكثر من سعينا لإيجاد السعادة التي لا تعتمد على الآخرين بل على قدرتنا على إيقاظها بداخلنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.