”برج طاحونة الريح“ أو ”برج الأندلس“ أو ”برج زوارة ”، هي تسميات متعددة لمعلم أثري واحد ينتصب ما تبقى منه من حصون وجنبات طينية وحجرية متناثرة كحبات عقد عتيق في البوابة الغربية للعاصمة تونس، وتحديدا خلف هضبة الرابطة.
كان هذا البرج، إلى حد قريب، ينهض بأدوار دفاعية على غرار باقي التحصينات الموجودة في خواصر مدينة تونس وضواحيها، لكنه الآن يبدو كسفينة متعبة ومتهالكة جرّاء إهمال يتعرض له طيلة القرن العشرين وما جاوره، كما تعرض البرج لعمليات نهب صامتة شملت حجارته وأبوابه.
وقد تم الاستيلاء على الأراضي المجاورة له بطرق غير قانونية، ما شكل تجمهرا سكنيا فوضويا، ليتحول محيط المعلم لمكان لوضع النفايات والفضلات ووكرا لأنشطة إجرامية، حدا بالمواطنين هناك لمراسلة وزارة الشؤون الثقافية، باعتبارها الجهة الرسمية المعنية بالتراث والمحافظة عليه، وطالبوها بإنقاذ المعلم وترميمه وتحويله إلى فضاء ثقافي أو ناد للأطفال.
وقوبل مطلب المجاورين للمعلم الأثري بصمت وزاري مطبق، وعلى ما يبدو فالمعلم في طريقه إلى الاندثار، وفق ما أفاد بعض السكان لـ“إرم نيوز“.
ويروي الباحث في تاريخ تونس، محمد شعيب، كيف أن ”برج زوارة“ ورغم صغر حجمه كان علامة فارقة ضمن سلسلة تحصينات في مدينة تونس، بالقول: ”علي باشا باي (باي تونس من 29 أكتوبر 1882 حتى 11 يونيو 1902) أمر بتشييده لأسباب أمنية ودفاعية وجعل منه حامية الجهة الغربية والطريق المؤدية لقصر الحكم بباردو (قرب العاصمة) ووفر له نخبة من العسكر، واقتنى أسلحة خاصة ومتطورة من مدافع بريطانية وبنادق الفلينتلوك الفرنسية وبارود تركي“.
وبين شعيب أن ”البرج أقرب برج إلى أسوار مدينة تونس، وفق وثائق وزارة الدفاع والمعهد الوطني للتراث والأرشيف الوطني، فهو لا يزال موجودا خلف القرية الصحية في هضبة الرابطة شامخا ومثقلا بتاريخ الأحداث والوقائع التي عاشها وذكريات العسكر الذين سكنوه لقرون“.
واستطرد: ”لكن هذا البرج الدفاعي الأثري بات نسيا منسيا، وقد يبدو للعابرين من حذوه مجرد جدران عالية من طين وصخر، إلا أنه في الحقيقة خال على وجه خريطة تراث العاصمة التونسية“.
ووفق شعيب، فإن ”برج زوارة ينتصب في مكان متقدم من الهضبة، وهو تقريبا يميل للسفح الغربي ويبعد عن باب سعدون (باب رئيس لحاضرة تونس) حوالي 600 متر، وبني خصيصا لحماية طريق قصر باردو وقصور ضاحية منوبة لتأمين مواكب البايات وباقي الأمراء وإسناد برج فليفل بين زوارة وبرج الرابطة، كلها أبراج متقاربة وتشكل هلالا تحصينياً ذا مهام دفاعية، خاصة ضد غزو دايات الجزائر الذين لا ينفكون عن تهديد بايات تونس“، على حد قوله.
وأوضح أن ”البرج له شكل مثلث فيه حصنان دائريان، قطر الواحد 14 مترا، وجلبت جل أحجاره الدفاعية من المواقع الأثرية الرومانية بجهة المعلقة بقرطاج ومن بعض الأعمدة الضخمة للحنايا الرومانية التي تمر أسفل الهضبة حاملة مياه زغوان في اتجاه قرطاج وأوتيك“.
وأوضح الباحث التونسي أن ”برج زوارة وغيره من الأبراج التي تحيط بمدينة تونس ومنها برج سيدي بلحسن، أعلى جبل الجلاز، وبني سنة 1637 في عهد يوسف داي، ومن مهامه مراقبة المدخل الجنوبي والطريق الساحلية، وبرج علي الرايس، وبرج القصبة، قبالة كلية 9 أفريل، وبني سنة 1754، تعتبر كلها رصيدا تراثيا متجانسا تاريخيا ووظيفيا، ما يعرف في علوم التاريخ بالتحصينات، وهذا الرصيد الثمين لم يحظ بالدراسات والبحوث العلمية الكافية“.