عمرو الليثي
كان من أجمل اللقاءات الفنية التى قمت بها لقائى مع الفنان الكبير نور الشريف، رحمه الله، الذى تمر ذكرى رحيله هذه الأيام. كانت تربطه بوالدى علاقة صداقة وطيدة وامتدت هذه الصداقة فأصبح صديقاً عزيزاً لى، وفى لقائى معه تشعبت الأحاديث بيننا وقال لى: «أنا اتولدت فى بيت لا يوجد به شخص غريب غير الخياطة الخاصة بالبيت وكنت أعيش مع أعمامى الاتنين الله يرحمهم وعمتى الله يرحمها.
عمى إسماعيل هو العم الأصغر كان يمتلك ورشة نجارة وهو مثلى الأعلى فى الرجولة وعمى الكبير أمين الذى توفيت زوجته وكان عنده سبعة أولاد وبنات وأنا وأختى عواطف، وقامت عمتى بتربية التسعة أيتام.. كان فى اعتقادى أن عمى إسماعيل هو والدى إلى أن دخلت أولى ابتدائى وبيتمموا على الفصل فنادوا محمد جابر محمد فلم أجبهم، وظلوا ينادون، فالأستاذ كان من منطقتنا فقال لى إنت محمد جابر محمد فقلت له لا أنا نور إسماعيل، قال لى إنت من النهارده اسمك محمد جابر، فسألت عمتى فاضطرت تقول لى إن والدى توفى وعمرى تسعة أشهر.
نظراً لصغر سن والدتى لم تكن تعيش معنا، ولكنها تزوجت، وانتابنى شعور بالغربة عند زيارتى لوالدتى، وأنا طفل صغير، لزواجها من رجل غير والدى، ولكن بعدما كبرت ودخلت المعهد استطعت أن أدرك دوافعها واحتياجاتها الإنسانية وسامحتها وشعرت بأنى ظلمتها، ومن وقتها ذهبت إليها وطلبت منها أن تسامحنى، وظلت علاقتنا جيدة بعد ذلك حتى وفاتها، وبلغنى خبر وفاتها عندما كنت أصور أحد مشاهد فيلم الكرنك فى مجلس الشعب بعد معاناة للحصول على تصريح لدخول مجلس الشعب، وكان التصريح لعدة ساعات فقط، وفى نفس الوقت المفروض نصور مشهد دخول محل الجواهرجى، لشراء دبل ليا أنا وسعاد حسنى، وكان الجواهرجى فى العجوزة فبلغونى بخبر وفاة والدتى وطبعاً شعرت بزلزال يجتاحنى يعنى لما بدأت أحبها وأفهمها ماتت!! ذهبت لدفنها ورجعت لأوردر التصوير.
فلم نكن نستطيع أن نحصل على تصريح آخر للدخول لمجلس الشعب والجواهرى بجانبه فالمشهدين لازم يتصوروا مع بعض فتخيل أعمل مشهد لشراء دبل لفرح يوم وفاة والدتى وبعد ذلك ذهبت للعزاء بالليل، فكان هذا الموقف صعب جداً بالنسبة لى، وعشت هذا الموقف مرة أخرى مع الفنان عبدالمنعم إبراهيم رحمه الله فتوفيت زوجته وهو بيمثل فى المسرح وأصر يفتح المسرح يومها وبالطبع لا يكون الإنسان بطبيعته عندما يقرر العمل وهو يمر بمثل هذا العمل، ولكن أعتقد أنه قرر الهروب من مواجهة الصدمة وقتها أو يؤجلها».. رحم الله الفنان الكبير نور الشريف الذى لا تكفى هذه السطور لسرد جزء من حياته ومواقفه.. يكفى أن اجتمع الناس على حبه، وكان مدرسة فنية، يلهم الجيل الجديد فكان يشجعهم ولا يبخل بنصائحه لهم.