يقدّم مشتغلو مسلسل «على صفيح ساخن» عملهم على أنه بحث في الهامش، نبشٌ في المسكوت عنه، على اعتبار أنهم يطرقون مكاناً قلّما ذهبت إليه الدراما، أو ربما لم تفعل أساساً. معظم العمل يجري في مكبّ للقمامة، أو فوق الحاويات في شوارع المدينة، مع مجاميع للأطفال، النبّاشين، لكن المرء لا يسمع البتة، بعد عشرين حلقة، صوت أيّ منهم. من هم هؤلاء؟ من أين جاؤوا؟ من أي حكايات وخلفيات اجتماعية؟ ما يوحي أنهم مجرد ديكور لا أكثر. «كومبارس» يروحون ويجيئون طوال المسلسل بلا حول ولا قوة.
محض ادّعاء. دراما تتقنّع بصورة دراما اجتماعية، فيما هي دراما مافيا وجريمة ومخدرات، وليس من قبيل المصادفة أن نسمع خبراً عن دورٍ للممثل عبدالمنعم عمايري (الذي يؤدي دور تاجر المخدرات والقتل الأخطر في العمل) في «الهيبة»، السلسلة العربية الأشهر والأطول في مجال التهريب وأجواء المافيا، والتي عهدنا فيها تمجيداً للسلاح والتهريب وبطولات الخارجين على القانون.
المسلسل في حقيقته يتناول صراع رجال مافيا ومخدرات، وما يتبعها من جرائم وفساد وقتل، في بلد ضالع في تصدير المخدرات والإرهاب، من دون أن يُقارَب التورط الرسمي. في أحسن الأحوال يتحدثون عن دور مشبوه لجمعيات خيرية دينية، قد يصيب التلميح هنا ظاهرة «القبيسيات» وهي صناعة بدمغة رسمية. الحق كلّه على الجمعيات الدينية التي تستخدمها مافيا المخدرات!
الحساسية السورية
كان يمكن لفيلم «الرجل الذي باع ظهره» للتونسية كوثر بن هنية، والذي رشح للأوسكار ضمن قائمة أفضل فيلم أجنبي، أن يكون هائل التأثير، بما يقوم عليه من سيناريو متقن وإخراج محكم وجميل، لولا أن التمثيل فيه في أسوأ أحواله. لقد اعتمدتْ المخرجة شاباً بلا أي خبرة سابقة لدور البطل الرئيسي، كما يمكن القول إن الخيارات الأخرى من الممثلين لم تكن أقل سوءاً.
لعل هذه أصبحت ميزة أعمال عديدة أجنبية أو عربية تتناول موضوعاً سورياً، إذ غالباً ما يعتمدون ما توفّر من كفاءات في متناول أيديهم، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث أبعد. على الرغم من توفر كفاءات سورية. لعله غرور المخرج الواثق من أن بصمته الإخراجية لا بدّ أن تخفي أي عثرة.
كذلك يمكن الإشارة إلى بعض المشاهد غير المقنعة، التي يمكن أن نحيل ضعفها إلى نقص في تحسس الواقع السوري؛ نحسب أن مخرجاً سورياً لن يغامر بتصوير مشهد في قطار، فرغم توفّره في سوريا، هو ليس واحدة من المفردات اليومية المألوفة والطاغية. عدا عن أن أداء المشهد نفسه بدا مفتعلاً. أما المشهد الذي يستعصي على تصديق أي سوري فهو مشهد هروب البطل من قبضة الأمن (أو الشرطة) في مركز اعتقال، هذا الأمر الأقرب إلى المستحيل في سوريا – الأسد.
شيطنة الشهود
يبدو أن مشاركة طبيبة الأطفال السورية أماني بللور في آذار/مارس الماضي في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت بشأن الأوضاع الإنسانية في سوريا، بدعوة من الخارجية الأمريكية طيّرت صواب النظام. وهي قد استذكرت في تلك الجلسة مجرزة الكيماوي التي ارتكبها النظام في الغوطة الشرقية العام 2013، داعية أعضاء مجلس الأمن والدول الفاعلة إلى تحقيق تقدم في مسار الحل السياسي الذي يضع حدّاً للحرب.
على عادته، جلّ ما يملك أن يفعله النظام في مواجهة الحقائق الدامغة أن يشيطن الشهود، إذا لم يقدر على اغتيالهم بالطبع، لذلك فإن غاية الغايات عنده أن يشكك بمصداقية الطبيبة بللور.
العودة للكتابة عن موضوع تناولتُه في زاوية الأسبوع الماضي تأتي بعد مشاهدة فيلم «الكهف» حيث يظهر والد بللور في رسالتين صوتيتين على جوال ابنته، ولا يبدو في أيّ منهما أنه غاضب على ابنته، كما أراد وثائقي أنتجه النظام بعنوان «من النفق إلى النور» أن يفبرك. وبالعكس، يبدو مشجعاً، يقول لها، وهي في رحلة نزوحها عن المدينة، إنه فخور بها، وإن ما فعلتْه لم يفعله أحد، ولا ينسى في كلا الرسالتين أن يطمئنها بأنه لا ينسى سقاية «زرعاتها» في البيت.
من نصدق إذاً؟! الأب في وثائقي النظام المتوحش، ونعرف جميعاً كيف يساق الناس للاعتراف والشهادة المزورة، أم الأب في حديث حميم هامس على موبايل ابنته؟!
باسل الخطيب
نستمع إلى وزيرة الثقافة السورية في مقابلة إذاعية تتحدث عمّا دعا لاختيار المخرج باسل الخطيب عميداً لـ «المعهد العالي للفنون السينمائية» في دمشق، وهو قد أُسس حديثاً، على أن تبدأ الدراسة فيه مطلع العام الدراسي المقبل. تحدثت الوزيرة عن أشياء من قبيل الأكاديمية وحضور المخرج في المشهد الثقافي، وكلنا نعرف أن هذه ليست أشياء نادرة، فلا شك أن هناك أسباباً أهم.
مبكراً انحاز الخطيب إلى النظام، بل ذهب إلى أبعد حين سلّمَ كاميرته إلى ميليشيا «حزب الله» تتحكم برقبتها، ونفّذ أكثر من عمل تلفزيوني لصالحها، تحت غطاء شركات إنتاج مستقلة. وسواء كانت أعماله لمصلحة تلك الميليشيا أو لمصلحة النظام في سوريا فقد كانت، في معظمها، بروباغندا صريحة في انصياعها الكامل لمتطلبات الممانعة في البلدين. وربما كان هنا سرّ اختيار الخطيب لقيادة معهد للسينما، يحتاجه بلد يعتبر السينما المعارضة لنظامه «الحرب الأخطر» وفق تعبير مستشارة رأس النظام بثينة شعبان.
لا أسف على أن يؤول منصب كهذا إلى اسمٍ كباسل الخطيب، ولم نكن لنفضّل عمر أميرالاي، على سبيل المثال، في هذا المكان في هذه الأيام، ولعله كان أحد أحلامه قبل الثورة، إلى حدّ أنه أسس عندما لم يستطع في دمشق، معهداً في الأردن واستقطب إليه بعض الطلبة السوريين، قبل أن ينفرط عقد ذلك المعهد. لا نتمنى للسينمائيين الجادين وأصحاب المواقف أن يكونوا اليوم في هذا الموقع، وبالعكس؛ لا نملك إلا أن نقول: «هيك مضبطة بدها هيك ختم».
نزار الإيراني
بثت قناة «العالم» الإيرانية فيديو بمناسبة ذكرى رحيل الشاعر السوري نزار قباني، ولاقتراب «يوم القدس العالمي». ما يهمّ القناة في المناسبة ليس نزار، حياته وشعره، بل هي تستلّ شتائمه للعرب ليبدو وكأنه ناطق بالنيابة عنها. فـ «بعد نكسة حزيران عام 67 حيث جعل العرب هم المسؤولين عن تلك النكسة ما أدى لمنعه دخول بلدان عربية، ومنها مصر التي فوجئ بتطبيعها في زمن السادات». فتأخذ القناة من شعره مقطعاً يبدأ وينتهي بـ «أحرقوا أبجديتي».
ثم يتحدث الفيديو عن «الموقف المتخاذل والانبطاح العربي، الذي لايزال منذ زمنه حتى الآن جلياً تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى». ويضيف: «بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.. كان للإمام الخميني مديح يليق به في شعر قباني» وهنا يسوق عبارة بصوته: «والخمينيُّ، يرفع اللهَ سيفاً، ويغني النبيَّ». إلى أن يختم: «ولماذا نكتب الشعر وقد نسي الله الكلامَ العربي».
ليس الحب والغزل وقصائد المرأة ما يستحق الاحتفال بنزار عند القناة الإيرانية، ولا حتى نقد الواقع العربي، التخلف، الجهل، التخاذل، أو الحكّام، لقد أرادت من نزار، في نسختها المفبركة، أن يشتم فحسب، أن يشتم حتى الأبجدية، والكلام العربي، ويمتدح الخميني!