تدور في أوروبا حالياً الصراعات الاولى لضمان مكان بين الـ32 منتخباً التي ستكتب لها المشاركة في نهائيات كأس العالم في قطر في نهاية العام المقبل، ولا يكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في التجويد والتعديل لتغيير نظام البطولة والتي سيرفع عدد المشاركين في نهائياتها عام 2026 الى 48 منتخباً، وهو الأعلى في تاريخ المونديال، لكن ذلك لن يمنع صيحات الكثيرين المتسائلة: الى متى ستظل المنتخبات العربية تلهث لالتقاط بطاقة مونديالية؟ والى متى سنظل نتوق للقاء البرازيل والارجنتين وايطاليا وألمانيا في منافسات رسمية؟ ألا يمكن ان يتغير ذلك بصورة غير تقليدية؟
عندما قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم اقامة نهائيات كأس العالم للمرة الاولى في أوروغواي في 1930، دعا أعضاءه حينذاك الى ارسال منتخبات تمثلها في تلك النهائيات. كانت الفكرة جميلة لكن طريقة التنفيذ صعبة، ففكرة سفر المنتخبات الاوروبية عبر المحيط الاطلسي الى قارة أمريكا الجنوبية مثلت أكثر من هاجس وعائق، فالسفر في الباخرة سيكون مكلفاً وسيتطلب وقتاً طويلاً، قد يطول نحو ثلاثة شهور للوصول الى هناك، فرفض أي منتخب أوروبي التعهد بالمشاركة، الى أن أقنع رئيس الفيفا حينذاك الفرنسي جول ريميه اتحادات فرنسا وبلجيكا ورومانيا ويوغوسلافيا بالسفر، لتقام البطولة بوجود 13 منتخباً فقط، كانت مشاركاتها مرغمة وعلى استحياء.
اليوم يتصارع 211 اتحاداً وطنياً في العالم على الحظي ببطاقة من الـ32 المخصصة للضيوف الـ»في آي بي» للمشاركة في أكبر عرس كروي، حتى لو تطلب الامر السفر من الخليج العربي الى البحر الكاريبي للابقاء على فرصة للتأهل الى النهائيات، او السفر من القارة الاسترالية الى القارة الامريكية الجنوبية لخوض مباراة واحدة لتسعين دقيقة فقط قد تضمن وجود اسم البلاد بين الـ32 مثلما حدث في تصفيات وملحقات المونديالات السابقة، وسيتكرر أيضاً في هذه التصفيات بين ممثل من آسيا وأوقيانيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية والوسطى.
هكذا تحول الزمن، وتطورت التكنولوجيا ووسائل النقل، فلم يعد على أهالي فرنسا الانتظار ثلاثة ايام لمعرفة ان فريقهم سجل هدفاً في مرمى المكسيك في مونديال 1930، فالقمر الاصطناعي بات كفيلاً بنقل حي ومباشر لكل حدث وهدف وركلة، مثلما تكفلت الطائرات النفاثة بتقريب المسافات وتقليل زمن التنقل، فبات السفر من الخليج العربي الى قلب القارة الاوروبية أقرب من الذهاب الى شرق آسيا، والسفر من شمال افريقيا الى اسبانيا والبرتغال وفرنسا أسرع من الوصول الى جنوب أفريقيا، بل الى دول وسط القارة السمراء.
وهنا تأتي فكرة راودتني كثيراً، فعادة تجرى تصفيات قارية، في آسيا واوروبا وافريقيا وغيرها، لاستخلاص الافضل والأحق للمشاركة في النهائيات، لكن لماذا لا تجرى تصفيات عالمية لتصفية الافضل للمشاركة في المونديال ما دامت عقبات السفر والتنقل زالت؟
ماذا لو قُسم العالم على 16 مجموعة، حوت كل منها 10 منتخبات، بعد اجراء تصفيات تمهيدية بين 61 منتخباً من التصنيف 151 الى 211، يبلغ منها عشرة منتخبات دور المجموعات المقسمة بين 160 منتخباً، ولا تخضع الى أي تقسيم جغرافي، وانما توزع المنتخبات بحسب تصنيفها العالمي، فيتأهل الاول مباشرة الى النهائيات، فيما تخوض منتخبات المربع الذهبي (من المركز الثاني الى الخامس) ملحقاً يتأهل الفائز فيه أيضاً الى النهائيات، ليصبح المجموع 32 منتخباً من النخبة والاحق في التأهل، بدل اثارة الجدل والخلافات التي لا تنتهي على عدد المقاعد المخصصة لكل قارة وأحقيتها بذلك. فعلى سبيل المثال قد نجد مجموعة تضم البرازيل والدنمارك والسعودية واليمن وتايلند والجزائر وغيرها في مجموعة واحدة، فكم ستكون مشقة سفر السعوديين الى ريو او كوبنهاغن او الجزائر مقارنة برحلاتهم الى طوكيو وسيدني وسيول؟
وأيضاً سيكون المردود المادي للاتحادات الوطنية عظيما بلقاء منتخبات من القمة في تصفيات أكبر بطولة في العالم، عدا عن المردود المادي الذي سيجنيه الفيفا عبر التسويق والرعاية وبيع حقوق البث التليفزيوني. وستكون متعة التصفيات مضاعفة عما اعتدنا عليه، وكأنها مونديال جديد وكبير، وبذلك نضمن ايضاً عدم تكرار نتائج غريبة مثل 27-0 في التصفيات، او 10-1 و8-0 في النهائيات، لان رهبة مقابلة منتخبات كبيرة التي تصيب عادة الهواة من اللاعبين ستزول، كما ستختفي امكانية تأهل منتخب الى النهائيات بتحقيق فوز واحد فقط في التصفيات، وهو امر كان سيحدث لو نجح البحرينيون بالخروج بتعادل سلبي امام ترينيداد وتوباغو في المنامة في تصفيات 2006 للمونديال. وحينها سيتوج المنتخب الفائز، فعلياً بطلاً على منتخبات العالم… فهل تحظى الفكرة باعجاب انفانتينو، خصوصا أنه من محبي التغيير والتطوير؟
المزيد من المشاركات