saudialyoom
"تابع آخر الأخبار السعودية والعربية على موقع السعودية اليوم، المصدر الأمثل للمعلومات الدقيقة والموثوقة. انضم إلينا الآن!"

أطباء وممرضون يهاجرون من لبنان هرباً من الأزمات

48

بعد نحو عامين من عودتها إلى لبنان وتفرغها للعمل في أحد أبرز مستشفيات العاصمة، تجد طبيبة الطوارئ نور الجلبوط نفسها، على غرار الكثير من زملائها، تستعد لبداية جديدة، بعيداً عن بلد أغرقته الأزمات المتلاحقة.

وتقول الطبيبة، بينما تغطي ثلاث كمامات تقاسيم وجهها لوكالة فرانس برس: “أعطيت خلال هاتين السنتين من قلبي للبنان، لكنه لم يعطني شيئاً بالمقابل”.

وتضيف “قدّمت طلب هجرة الى الولايات المتحدة، وآمل الحصول على التأشيرة قريباً” لبدء مغامرة جديدة في بوسطن.

ونور واحدة من مئات الأطباء والممرضين الذين سعوا لمغادرة لبنان في الأشهر الأخيرة، في ظاهرة لم تشهدها البلاد حتى أثناء الحرب الأهلية 1975- 1989، بعدما أرهقتهم تداعيات الانهيار المالي المتسارع، والضغط المتواصل منذ تفشي فيروس كورونا، ثم انفجار مرفأ بيروت المروع في الصيف الماضي.

ويخسر لبنان، الذي شكل طيلة عقود “مستشفى الشرق”، خيرة طواقمه الطبية، في نزيف يجرد البلد من كوادر مشهود بكفاءتها ومستواها.

في قاعة الطوارئ، تعاين نور بينما تلطخ معطفها الأبيض بدماء جريح وصل مصاباً بطلق ناري، صورة أشعة في محاولة لتشخيص ألم يعاني منه زائر من بلد عربي قصد المستشفى.

في ممر بين قسم الطوارئ وجناح كورونا، يقترب منها أطباء متمرنون بين الحين والآخر لاستشارتها عن حالات يتابعونها.

لم يكن خيار الهجرة من مدينة تعشق تفاصيلها سهلاً لكنه “الخيار الأفضل لك ولأطفالك إن كنت ترغبين في تأسيس عائلة”.

تزامنت بداية نور في عملها بلبنان في سبتمبر (أيلول) 2019 مع بداية الانهيار الاقتصادي، الأسوأ في تاريخ البلاد.

وعلى وقع التظاهرات الشعبية التي انطلقت في الشهر اللاحق ضد السلطة السياسية المتهمة بالفساد، عاينت عشرات المتظاهرين الجرحى، ليبدأ بعدها تدفق المصابين بكورونا.

وشكل انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) الذي خلّف أكثر من 200 قتيل و6500 جريح، الفاجعة الأكبر. عندما تتذكر اللحظة، تقول وهي تغالب دموعها: “سقط السقف علينا”.

بعد الانفجار تدفق مئات الجرحى إلى المستشفى، وخلفهم عائلات مذهولة تسأل عن أحبائها. وبعد ساعات، علمت الطبيبة أن منزلها تضرر أيضاً من الانفجار، كما هي حال العديد من أحياء العاصمة.

وفاقم الانفجار الأزمة الاقتصادية التي لم توفر أي شريحة، وترافقت مع أزمة سيولة، وتدهور العملة المحلية التي خسرت نحو 90% من قيمتها مقابل الدولار.

وعلى غرار الجميع، تقلّصت قيمة رواتب العاملين في القطاع الطبي، ووجدوا بين ليلة وضحاها أنّ مدخراتهم عالقة بسبب قيود مصرفية مشددة.

وباتت معاناة الأطباء الذين يعملون في القطاع العام، أو على حسابهم الخاص أكبر، مع تقشف في  المستشفيات المنهكة من جهة، وتراجع قدرة المرضى على ارتياد العيادات الخاصة من جهة أخرى، مع فقدان عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من مصادر دخلهم.

ولم تنجح القوى السياسية، بسبب الانقسامات والصراع على النفوذ، في تشكيل حكومة منذ الصيف الماضي، لتباشر تطبيق خطة إنقاذ للحد من السقوط الاقتصادي الحر.

ويقول نقيب الأطباء البروفيسور شرف أبو شرف لفرانس برس، إن هجرة الأطباء زادت بشكل لافت منذ انفجار المرفأ الذي أخرج مستشفيات عن الخدمة ودمّر عيادات خاصة.

ويقدر عدد الذين غادروا منذ أواخر 2019 بألف طبيب، أي ما يعادل 20% على الأقل من إجمالي الأطباء. كما غادر عدد مماثل من الممرضات والممرضين، وفق تقديرات نقابتهم.

ويحذر قائلاً: “اذا استمرت مغادرة الأطباء بهذا الشكل، واحداً تلو الآخر، فسيشكل ذلك كارثة”، خاصةً أن “أكثرهم كفاءات عالية” لا يمكن سد الفراغ الذي يتركونه سواء كان في علاج المرضى أم تدريب الأطباء الجدد.

وتتراوح أعمار أكثر المهاجرين، وفق أبو شرف، “بين 35 و55 عاما، أي أنهم عصب القطاع الصحي”.

تشكّل دول الخليج وجهة رئيسية للأطباء والممرضين المغادرين، إضافة الى دول أوروبية خاصةً فرنسا وكذلك الولايات المتحدة.

واذا كان بعضهم، خاصة الذين توجهوا إلى الخليج، قد يعودون عندما تتحسّن الأمور، إلا أن غالبية المهاجرين إلى دول الغرب فقدوا الأمل، ولا يخططون للعودة. ويبدي أبو شرف أسفه لأن “الغرب سيستفيد منهم في وقت نحن في أمس الحاجة إليهم”.

ويقول أطباء إن الهجرة الطبية الجماعية غير مسبوقة. في تغريدة على تويتر قبل أيام، كتب رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي “خلال عملي طبيباً متمرناً في الثمانينات في مستشفى الجامعة الأمريكية، كانت رائحة الموت في كل شارع وحي، لم يترك إلا القليل من الأطباء، وصمد الجسم الطبي في كل مستشفيات بيروت والمناطق”.

ورأى أن الهجرة حالياً ليست ناتجة عن عوامل اقتصادية فحسب، بل أيضاً بسبب “اليأس من الطبقة السياسية”.

بعد عشر سنوات عمل فيها في لبنان، يستعد الطبيب النفسي والأستاذ الجامعي فرانسوا عازور، مع زوجته الطبيبة وطفليه، للانتقال غدا السبت إلى فرنسا التي يحملون جنسيتها.

ويقول لفرانس برس إن أسباباً متداخلة دفعته لحسم قراره أبرزها أنه “حتى اللحظة، لا مؤشر على احتمال التغيير أو تحسن الوضع” السياسي. ولا يريد لطفليه أن يعيشا تجربة مماثلة لطفولته في الحرب والاضطراب السياسي.

ويصف قرار الهجرة بـ “مُرٌ … لدينا هنا منزلنا، عياداتنا، نعمل في المستشفى ومستقرون بشكل جيد ولا نواجه أي صعوبات مهنية، لكننا نترك العائلة وهذا أمر صعب للغاية”.

وتلخص جلبوط شعور المرارة ذاته قائلة: “بيروت مدينة تدمنينها. يمكنك أن تشعري فيها بارتياح شديد، لكن العيش فيها قد يكون سيئاً لك إلى أقصى حد”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.