عُرف الفنان يوسف شعبان بوسامته وقوة شخصيته وغرامه بالفنون والمجالات الإبداعية، وهو لا يزال طالباً في كلية الحقوق، تلك الكلية التي التحق بها رغماً عنه، إرضاء لرغبة الأهل، ولكنه سرعان ما تركها وهو في السنة الثالثة، ليلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، بعد أن رفضت أسرته التحاقه بكلية الفنون الجميلة، ولم تعد لديه فرصة للتنفيس عن مواهبه الفنية، إلا بالاقتراب من عالم الفنانين والمبدعين، والبحث عن ذاته الفنية بين كبار النجوم.
وبالفعل وطد يوسف شعبان علاقته بكرم مطاوع وسعيد عبد الغني والكاتب الصحافي إبراهيم نافع، زملاء كلية الحقوق، وأصبح في زمن قياسي معروفاً داخل الوسط الفني، ولم يفوت الفرصة التي منحها إياه المخرج بركات في فيلم «في بيتنا رجل» ليكون صديق البطل المناضل إبراهيم حمدي (عمر الشريف) ورغم قصر الدور والمساحة المتاحة له إلا أنه ترك أثراً إيجابياً، وبات واحداً من الوجوه الجديدة المتميزة. ويبدو أن ظهور يوسف شعبان المفاجئ ولمعانه في زمن قياسي، أقلق النجوم المنافسين في ذلك الوقت، رشدي أباظة وشكري سرحان وصلاح ذو الفقار وحسن يوسف، فعمدوا إلى عرقلة مسيرته وفق ما ذكر هو شخصياً في بعض أحاديثه الصحافية، حيث أكد أن زملاءه المذكورين كانوا يخطفون منه الأدوار بإغراء المنتجين بحصولهم على أجر أقل، وهي الحيلة التي أفلحت في كثير من الأحيان، وتسببت في تقليل فرص النجم الصاعد فظل سجين الأدوار الثانوية الصغيرة رغم موهبته الكبيرة.
اجتهاد شخصي
وباجتهاده الشخصي حصل الفنان الراحل على فرصة ثمينة في فيلم «ميرامار» أمام شادية، فقدم دوراً مهماً، حيث جسد شخصية أحد قيادات الاتحاد الاشتراكي، بشكل حمل كثيرا من أوجه النقد لفترة الستينيات وحكم الرئيس جمال عبد الناصر، ولأن يوسف شعبان ملكي لا يُخفي ملكيته، استطاع تأدية دورة بإقناع شديد، وتكررت النبرة الهجومية نفسها في فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» إذ جسد الدور ذاته بكثير من المرارة، كون النقد في هذه المرة كان على خلفية نكسة يونيو/حزيران، التي
وقعت في عام 1967 وكان لها أثر بالغ في نفوس الجماهير المصرية والعربية، وهي الحالة التي بدأت بها الأحداث في الفيلم الحربي الشهير «قبل إدراك النصر» في عام 1973. ويمكن القول إن يوسف شعبان كان يتعمد قبول هذه الأدوار ليُصرح برأيه السياسي المناهض لثورة يوليو/تموز، وربما زواجه من ابنة الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق كان دليلاً قاطعاً على انتمائه المُعلن للعصر الملكي ورفضه لقيام الجمهورية في 23 يوليو، ولعل ذلك أيضاً كان أحد الأسباب التي أبعدته عن الجو السينمائي المليء بالمؤيدين للنظام الناصري، فآثر الابتعاد بإرادته عن المنافسة والمنافسين في وسط لم يستطع التكيف معه.
بيد أنه لم يشأ أن يترك لغيره الساحة شاغرة، فقبل القيام بالدور الأصعب في حياته الفنية على الإطلاق إزاء اشتراكه في فيلم «حمام الملاطيلي» للمخرج صلاح أبو سيف مع شمس البارودي ومحمد العربي في السبعينيات من القرن الماضي، قبل اعتزالهما الفن نهائياً، مُتحمساً للشخصية المُثيرة للقلق والجدل والاشمئزاز، غير عابئ بما يوجه إليه من نقد لاذع لتجسيده شخصية رجل مثلي، وقد أرجع البعض قبوله بالدور إلى رغبته في توجيه نقد مضاد بأثر رجعي للنظام الحاكم حينئذ، عن هزيمته في حرب 67، حيث ينطوي الدور على معنى باطني مفاده الانحراف وانعدام الثقة وفقدان أهم ما يُمكن أن يتحلى به الرجال إبان الهزيمة أو النكسة.
وقد أوصل يوسف شعبان هذه القناعة بالفعل للجمهور كتبرير لقيامة بالدور المهم من وجهة نظرة، مُعتبراً الجوائز التي حصل عليها في حينه عن الفيلم دليلاً قاطعاً على تميزه، وبلوغه مستوى النضج الكامل في التعامل مع الأدوار الشائكة والشخصيات المُثيرة، بعيداً عن الأحكام الأخلاقية الساذجة. لم يستمر الفنان الراحل كثيراً في علاقته بالسينما، ولم يحقق ما كان يحلم به، وظل يتراوح ما بين أدوار قوية وأخرى ضعيفة، فما يُمكن أن يُذكر له في هذا الصدد دوره مع عبد الحليم حافظ وشادية في فيلم «معبودة الجماهير» وهو الفيلم الذي كان سبباً في خلاف بين عبد الحليم الرافض لوجوده في الفيلم، وشادية المُتحمسة له، كأن قدر الممثل الكبير أن يكون مُثيراً للجدل والخلاف في كل محطاته الفنية.
ويمكن القطع بأن ما نجح فيه الرجل، الذي تأخرت نجوميته سنوات طويلة كان اتجاهه للدراما التلفزيونية في النصف الأخير من حياته، الأمر الذي عوضه ما فاته من فرص، حيث تضاعفت أدوارة وإسهاماته، وكان له من أوجه التميز والإتقان ما هو جدير بالذكر، كدوره في مسلسل «رأفت الهجان» وقدرته الفائقة على تجسيد شخصية محسن ممتاز رجل المخابرات المصرية، وكذلك دور السيد الدوغري مع معالي زايد ومحمود الجندي ويسري مصطفى ومديحه حمدي في مسلسل «عائلة الدوغري» وكذلك دورة الأكثر تميزاً في «الشهد والدموع» ومن بعده أدوار عديدة، من أهمها «الضوء الشارد» مع ممدوح عبد العليم وسميحة أيوب و«الوتد» مع هدى سلطان و«المال والبنون» و«أميرة من عابدين» ونماذج أخرى أثبتت جدارته الفنية والإبداعية بلا جدل أو خلاف على موهبته الإبداعية الكبيرة.
تميزه واختلافه في الأداء
ولم تكن الأعمال التي قدمها يوسف شعبان في المسرح أقل أهمية، بل كانت دالة على تميزه واختلافه في الأداء، فهناك مسرحيات مثل «مطار الحب» مع عبد المنعم مدبولي وميرفت أمين و«أرض النفاق» و«شيء في صدري» وهي نماذج لأداء الفنان الواعي صاحب وجهة النظر في الكوميديا الراقية الخارجة عن المتكرر والمألوف.
لعب الفنان دوراً مهماً في دعم الحركة الفنية المصرية والمحافظة على مصالح الممثلين ومستقبلهم، من خلال وجودة في نقابة المهن التمثيلية كنقيب لدورتين كاملتين، حيث عمل بكفاءة وادخر كل جهوده لتحسين مستوى المهنة وأصحابها، والارتقاء بالمُصنف الفني ليُصبح مكوناً ثقافياً يُعول عليه في ترسيخ مبادئ التطوير والتغير الاجتماعي المنشود.