saudialyoom
"تابع آخر الأخبار السعودية والعربية على موقع السعودية اليوم، المصدر الأمثل للمعلومات الدقيقة والموثوقة. انضم إلينا الآن!"

ماهي علاقة جيفري تشوسر بـ«عيد الحب»؟

72

 مولود بن زادي

في الرابع عشر من شهر فبراير/شباط من كُلِّ عام، يحتفل عالمنا بعيد الحب المعروف في اللغة الإنكليزية باسم (Valentine’s Day) يتبادل فيه العشاق رسائل حب وورودا حمراء وهدايا متنوعة، ويخرجون للعشاء والاستجمام والسهر مثلما هي الحال في بريطانيا وكثير من البلدان الغربية. وإن أجمع عالمنا على إحياء هذه المناسبة في يوم واحد مشترك وتشابهت طرق الاحتفال في كامل أرجاء الدنيا، إلاَّ أنّ الباحثين اختلفوا في أصل هذه المناسبة. فكيف نشأ عيد الحب؟ ولم سمي (فالنتاين)؟ وهل يكون أب الأدب الإنكليزي ومؤسس لغة العالم جيفري تشوسر (1340 ـ 1400) هو من أسس فالنتاين بالمعنى الرومانسي للكلمة المعروف لدينا في عصرنا؟

أصول رومانية

إذا نظرنا في أصول كلمة (فالنتاين) وجدناها تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وتعود إلى بدايات عهد الإمبراطورية الرومانية، فقد كان الرومانيون يحتفلون بعيد «التخصيب» في منتصف شهر فبراير وهو ما يعدّ البذور الأولى لعيد الحب.
أثناء الاحتفال بعيد «التخصيب» الروماني، كان الرجال يخرجون إلى الشوارع وهم عراة، ثم يقومون بضرب النساء على ظهورهن باستخدام جلد الماعز والكلاب، فقد كان الرومانيون يعتقدون أنّ ذلك يساعد على زيادة خصوبتهن، وقدرتهن على الإنجاب. وقد استمر هذا الاحتفال الشهير لقرون طويلة قبل أن يتلاشى في وقت لاحق، بعد اعتناق الرومانيين الدين المسيحي الجديد، حيث أصبحت الإمبراطورية الرومانية أقل وثنية وأكثر مسيحية، فحلّ محله الاحتفال بـ(القديس فالنتاين).

فالنتاين الأسطوري

على الرغم من تباين الأفكار واختلاف الروايات، يجمع الباحثون على أن التسمية تعود إلى العهد الروماني، وترتبط بشهداء الكنيسة الذين رفضوا التخلي عن الدين، رغم الاضطهاد والبطش والموت. وقد اشترك هؤلاء في حمل اسم (فالنتاين) وأبرز هؤلاء (القديس فالنتاين) يحكى أنه كان كاهنا وطبيبا من أصل روماني، استشهد في يوم 14 فبراير عام 269، أثناء الاضطهاد الذي لقيه المسيحيون من الإمبراطور كلاوديوس الثاني (210 ـ 270). فتكريما لتضحيته وتخليدا لذكراه، قررت الكنيسة الكاثوليكية الاحتفال بعيد (القديس فالنتاين). وبعد قرون طويلة، قامت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بمراجعة القرارفي عام 1969 حيث عمدت إلى إزالته من التقويم الروماني العام بسبب نقص المعلومات الموثوقة حول حياته، ووجود أكثر من قديس واحد استشهد في سبيل الكنيسة، يحمل اسم (فالنتاين).

تشوسر مؤسس عيد الحب

لكنّ أثر فالنتاين يبقى حيا إلى يومنا هذا حيث يوافق ذكرى استشهاده في يوم 14 فبراير احتفال العالم بـ(عيد فالنتاين) أو عيد الحب. ظلَّ اسم (فالنتاين) مرتبطًا بالكنيسة والاستشهاد في سبيل الدين لقرون طويلة إلى غاية أواخر القرن الرابع عشر، عندما قام جيفري تشوسر (1343 ـ 1400) مؤلف كتاب «حكايات كانتربري» بإضفاء الطابع الرومانسي عليه في قصيدته «برلمان الطيور» التي كتبها في وقت ما في ثمانينيات القرن الرابع عشر، ويُرجح أن يكون ذلك في عام 1382. لكن كثيرا من الباحثين يشير إلى أنّ تشوسر لم ينفرد عن أدباء عصره بالكتابة عن عيد الحب، فقد كتب العديد من معاصريه أيضًا قصائد مرتبطة بالعشق وعيد الحب على منوال جون غوير (1330 ـ 1408) وجون كلانفو (1341 ـ 1391) وأوتون دي غراندسون (1345 ـ 1397).
لكن، يرجح أن يكون تشوسر هو الرائد المروِّج لفكرة عيد الحب، وهو من يُعدُّ أب الأدب الإنكليزي بدون منازع، وأكثر من ذلك يُعدُّ مؤسس اللغة الإنكليزية وكيف لا هو من بادر بالكتابة بها في زمن كانت اللغة الفرنسية هي اللغة السيدة – لغة السلطة والإدارة والأدب، رفقة اللغة اللاتينية ولم يكن للغة الأنكلوسكسونية أثر كبير. يكفي أيضا أن نقول إنّ تأثير جيفري تشوسر في شعراء عصره كان كبيرا على منوال جون كلانفو، ويتجلى ذلك.
في قصيدة «كتاب كيوبيد إله الحب» من خلال قصيدته «برلمان الطيور» المؤلفة من 700 بيت، تناول فيها تشوسر مفهوم الحب في قالب فكاهي، فلسفي، وتتجلى فيها بوادر (عيد الحب) الذي نحتفل به اليوم.

تقويم مختلف

قصيدة «برلمان الطيور» تروي قصة مجموعة من الطيور تتجمع في أوائل الربيع في «يوم عيد الحب» لاختيار الشريك والتزاوج. والسؤال الذي يطرحه كثير من الباحثين هو موعد هذا الاجتماع، والتزاوج وما إذا كان جيفري تشوسر كتب قصيدته وهو يفكر في منتصف شهر فبراير. الأرجح، في تقديري، أن يكون تشوسر قد فكر في الفترة الممتدة من أواخر شهر مارس/آذار إلى شهر مايو/أيار وليس مطلقا شهر فبراير، فالفترة المذكورة تُعدُّ الموسم النموذجي لتزاوج معظم أنواع الطيور في بريطانيا، بعد انجلاء فصل الشتاء القارس الطويل وذوبان الثلوج واعتدال الطقس واكتساء الأشجار بالأوراق والأرض بالنبات وتوفر المواد اللازمة لبناء العش من أعشاب وأوراق وغيرها، فضلا عن تزايد مصادر الغذاء. فبوادر عيد الحب التي لاحت في الأفق في القرون الوسطى اقترنت بتقويم مختلف ولم تقرن في الأصل بيوم 14 فبراير موعد الاحتفال بعيد فالنتاين في عصرنا.

يوم التوعية الفردي

وبينما يحتفل الأزواج بعيد الحب في يوم 14 فبراير، يحتفل العزَّاب في اليوم الموالي بيوم التوعية الفردي، لافتين الانتباه إلى عالم مختلف عن عالم فالنتاين: عالم العزوبية، ومعبرين عن إيمانهم بحب متعدد الأشكال والألوان. فالحب لا ينتهي عند حدود العشاق، بل يتعدى ذلك ليشمل أفراد الأسرة والأصدقاء والأحباب وكل العالم. ويؤكد هؤلاء عدم حاجتهم إلى علاقات دائمة، وتحررهم من قفص الزوجية، وكل ارتباط مع الشريك. ويشدد هؤلاء على قدرة الإنسان على العيش في عزوبية مستمتعا بكامل حريته. من هؤلاء نذكر الأسر وحيدة الوالد والتي أصبح لها وزن معتبر في المجتمعات الغربية، حيث تشكل ربع العائلات التي لديها أطفال في بريطانيا.

وخلاصة القول إنّ غياب معلومات موثوقة عن شخصية (فالنتاين) الروماني واشتراك أكثر من شهيد في هذا الاسم، جعلا منه شخصية أسطورية أكثر منه حقيقية، وهو ما يبرر تراجع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في قرارها السابق وإزالة اسمه من التقويم الروماني العام.
وحتى إذا كان (فالنتاين) شخصية حقيقية، فاسمه اقترن بالدين والاستشهاد في سبيل الكنيسة، ولم يقترن بالحب والمشاعر، ولم يُعرف عنه مطلقا أنه كان رجلا عاطفيا. فحتى إذا كان أصل التسمية يعود إلى تلك الشخصية الدينية الرومانية واستشهادها يوم 14 فبراير، فالأرجح أن يكون رائد الأدب الإنكليزي ومؤسس لغته، جيفري تشوسر، هو من أسس عيد الحب (فالنتاين) بمعناه المعروف لدينا في هذا العصر، المجرد من الصبغة الدينية القديمة والاستشهاد في سبيل العقيدة والكنيسة. فبوادر هذا العيد تتجلى في قصيدة جيفري تشوسر الشهيرة «برلمان الطيور» التي أصدرها في ثمانينيات القرن الرابع عشر، في صورة اجتماع الطيور واختيارها شريك حياتها وتزاوجها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.