عندما طلب النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي الرحيل عن برشلونة الصيف الماضي، اعتقد كثيرون ان ابقاءه في الفريق اعتبر من أبرز نجاحات الرئيس خوزيه ماريا بارتوميو خلال حقبته الكارثية، لكن قلة أدركوا انه استمرار لقراراته المدمرة غير المدروسة.
من يطالب ببقاء ميسي اليوم في برشلونة، لا يخرج عن انه نابع من العاطفة الجياشة المغروسة في قلب كل عاشق للنجم الارجنتيني وللنادي الكتالوني، وللذكريات الجميلة التي صنعاها خلال حقبة ذهبية امتدت 15 عاماً، لكنها لن تمثل أي حل لانقاذ مستقبل النادي المحتوم، وهو المعاناة المالية على المدى المتوسط، حتى ان كانت وعود المرشحين لرئاسة النادي وردية، وتعد بالآمال والأحلام البراقة، ليس بينها فقط الاحتفاظ بميسي في النادي، بل جلب النجوم من اللاعبين والمدربين، في أسلوب أشبه ببرامج السياسيين الواهية في فترات الترشيحات الانتخابية.
لن أتحدث عن المقابلة “الباردة” الأخيرة للنجم الارجنتيني، لأنه قال فيها كل شيء توقعت أن يقوله: “لا شيء”، أي أنه فعل المعقول والمنطقي في هذه المرحلة، بابقاء خياراته مفتوحة، بحيث أنه ينتظر انتخابات الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وما سيقوله الرئيس الجديد، والاهم ما سيفعله لحل أزمة النادي، ولو جاء على رأس ادارة النادي رجل حكيم، فان ميسي سيبدأ الاتفاق مع الاندية المهتمة بضمه وتلبية طلباته المادية، لأن عملية اعادة بناء النادي يجب ان تبدأ من جديد، وبروح جديدة، وبوجوه جديدة، وبحسابات جديدة.
اخفاق برشلونة في النصف الاول من الموسم المرتبط بهبوط مستوى ميسي، لم يكن وليد الصدفة، ولا يتعلق الامر بـ”خيبة” المدرب رونالد كومان، بل يأتي نتاجاً طبيعيا لمجرى الأحداث، بدءاً من الاجواء السلبية المسمومة، ورحيل ادارة بالاستقالة، ورحيل مجموعة من النجوم المخضرمين دفعة واحدة، بسبب الازمة المالية التي حرمت النادي أيضاً من تعويضهم ودعم الصفوف بصورة صحيحة، ولهذا رأى كثيرون ميسي فاقد الروح والشهية والعزيمة، رغم عدم دقة هذا الوصف، لأن ميسي حاول جاهداً دفع الفريق مثلما فعل على مدى السنوات الماضية، لكن كون تركيبة الفريق غير صحيحة، وتجانس اللاعبين غير منطقي، عانى ميسي، لأنه ببساطة لا يستطيع أن يكون جزءا من عملية انتقالية ومرحلة تجديد دماء، لأنه وصل الى مرحلة يجب ان يكون فيها مع فريق كامل القوى ومكتمل العناصر بحاجة فقط الى ساحر مثله، يكون هو الجوهرة في تاجه كي يصارع على الألقاب، وليس على اعادة بناء فريق أبرز نجومه من المراهقين. وهذا بالضبط ما يعانيه هذا الموسم كريستيانو رونالدو مع يوفنتوس، لأن النجوم الكبار الذين تعدوا سن الثلاثين، لا يمكن ان يتأقلموا مع فريق بمدرب جديد، يريد اعادة البناء والتجربة والتعلم من الاخطاء.
قبل نحو شهرين أعلن برشلونة عن خسائر بنحو 100 مليون يورو، وسيستمر الحال في التأزم مع استمرار المعاناة من الاغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا، وبالتالي تقليص المداخيل بصورة هائلة، ما دفع البعض بتوقع ان برشلونة يستعد لبيع على الاقل 4 من نجومه في الانتقالات الشتوية لسد العجز قدر الامكان، ومع ذلك ليس من بين هذه الاسماء الأربعة ليونيل ميسي، الذي كان صريحا حين أعلن رغبته بالرحيل في نهاية الصيف الماضي، بأنه يحاول مساعدة النادي مالياً، لكن قلة اهتمت لهذه الكلمات، لأنه لو رحل ميسي في ذلك الوقت، لضمن توفير نحو 100 يورو خلال الموسم الجاري، على شكل رواتب ومكافآت للنجم الأرجنتيني، ولربما حصل البارسا أيضاً على مقابل مادي قريب من 100 مليون، لكان استثمرها لدعم خطوطه المتهالكة، ولبدأت عملية اعادة البناء بصورة صحيحة وعلى أسس صحية، لا يكون محور البناء حول ابن الثالثة والثلاثين عاماً، بل حول نجوم المستقبل أمثال أنسو فاتي وبيدري وترينكاو.
ميسي فكر في الرحيل جدياً أكثر من مرة، منها محاولتا 2014 و2016، خصوصاً بعد اصطدامه مع القضاء الاسباني بتهمة التهرب الضريبي ما قاده الى الحكم بالحبس غير النافذ 21 شهرا، لكن في كل مرة وبسبب شخصيته الهادئة و”البيتوتية” والكارهة للتغيير، فانه كان دائما يبقى في النادي الوحيد الذي مثله في حياته، والذي جاء اليه في العام 2000 وهو في الثالثة عشرة من عمره بحثاً عن علاج لمشاكله الصحية. لكن اليوم وبعد 34 لقباً ساهم في احرازها، بينها 10 ألقاب دوري و4 أبطال اوروبا والعديد من الأرقام الشخصية، فان الوقت حان جدياً للرحيل، لانقاذ النادي، وما يريده ميسي حاليا أن يدرك برشلونة هذه الحقيقة، وأن يعطيه بركته وموافقته، كي يغادر بطلاً خارقاً هو الافضل في تاريخه.