ما المؤهّلات الواجب توافرها في ممثلة بعينها كي تفوز بأداء دور الأميرة ديانا، إحدى أكثر النساء استئثارًا بمحبة الناس وأوسعهن نصيبًا من الملاحقة الإعلامية في القرن العشرين؟ الإجابة نجدها لدى الممثلة البريطانية الشابة إيما كورين التي تلعب دور أميرة ويلز في مسلسل “التاج”
أخذ مسؤول الدعاية في نتفليكس نَفَسًا عميقًا وقال: “هذا الشعر المستعار مثالي”، ليظل صدى هذه العبارة يتردد على الأسماع لبرهة. كنّا في شهر يناير بالطابق العلوي من قسم الأزياء بمسرح نيو ويمبلدون في حين كان يقف أسفل منّا المخرجُ برفقة نحو 40 فردًا من طاقم العمل التلفزيوني و166 ممثلة كومبارس مرتديات جواكيت للسهرة وفساتين حريرية، وكان الجميع متناثرين في أرجاء الساحة المخملية الحمراء الشبيهة بالمغارة – في مشهد كان ببهائه وبريقه أقرب لعقد الثمانينيات منه لحفل جمع تبرعات في ذروة عهد مارغريت تاتشر. كان احتفالًا من ذلك النوع الذي تودّ تمامًا مشاهدته في مسلسل مثير يقال إن تكلفة الحلقة الواحدة منه تجاوزت الـ10 ملايين جنيه إسترليني، ولكن خلف هذا المشهد الرائع كنتُ أشعر فعليًا بحالة من الترقّب المثيرة للقلق. فقد كنّا جميعًا في انتظار الشعر المستعار.
بخلاف مارلين مونرو والإسكندر الأكبر، لا أحد في تاريخ ذوي البشرة الشقراء يستطيع أن يباري ديانا أميرة ويلز، لذا أمضى منتجو مسلسل “التاج” The Crown أكثر من عام لانتقاء امرأة يمكنها –أو تستطيع– التألّق بالقبعات الباهظة المزينة بالريش في الموسم الرابع من هذه الدراما الوثائقية الملكية الناجحة والساحرة. وكان من أكثر أجزاء هذا العمل إثارةً للجدل على الإطلاق تلك التي روت قصة حياة أميرة القلوب منذ أن كانت في الـ16 من عمرها (حين التقت أول مرة بالأمير تشارلز، الذي كان آنذاك يواعد أختها الليدي سارة سبنسر، خلال احتفال بصيد طائر الطيهوج أقيم في منزل عائلتها ألثورب) إلى أن أتمت 28 عامًا (حين وصل الزواج إلى تلك المرحلة البائسة التي حبست أنفاس المشاهدين).
وبعد 12 شهرًا من البحث المضني “المفعم بالجنون والإثارة والطيش”، ثمة ممثلة تكاد تكون مغمورة تدعى إيما كورين وتبلغ 24 عامًا من عمرها –تقيم في شقة مشتركة بلندن، ومهووسة منذ أمد بديانا بل ولديها كلب كوكابو أطلقت عليه اسم (انتظروا) سبنسر– استطاعت الظفر بدور لا يتكرر سوى مرة واحدة كل جيل والتمثيل بجوار فنانين من أمثال أوليڤيا كولمان، وهيلينا بونهام كارتر، فضلاً عن نخبة من ألمع الممثلين البريطانيين، وهو ما أصاب الصحف بالجنون قبل أن يُحاط المسلسل بسياج من السرية.
وخلال مدة التصوير الطويلة للحلقات التالية من المسلسل (شرعوا في تصويره خلال صيف 2019 الذي يصعب تذكره الآن)، لم يتمكن مصورو “الباباراتزي” –على الرغم من إلحاحهم الشديد وإصرارهم الذي لا يلين– سوى من التقاط بضع صور لإيما بإطلالة كاملة لديانا.
ونعود إلى ويمبلدون، حيث خيّم الصمت بعد أن دوّت أجهزة اللاسلكي للطاقم تدعو “إيما للاستعداد” للتصوير. ولقد حبستُ أنفاسي حين خرجت إيما من الكواليس نحو منطقة التصوير. فبأقل قدر من الضجيج، خلعت الجاكيت الطويل الذي كانت ترتديه، لتكشف عن نسخة رائعة وطبق الأصل من الفستان الحريري العاجي ذي القَصَّة المنحنية الذي ارتدته ديانا للرقص -مع راقص الباليه واين سليب- على نغمات “أب تاون غيرل” في دار الأوبرا الملكية عام 1985 فيما كان الأمير تشارلز (يؤدي دوره الآن الممثل جوش أوكونور) الذي كان قد تزوجها قبل هذا التاريخ بأربع سنوات، يحدق إليها بفضول من مقصورته.
كان من العجيب سماع أغنية بيلي جويل تنساب في أرجاء المسرح، بل والأعجب أن جسم كورين أخذ فجأة يبدو وكأنه تمدد، في حين انخفض ذقنها، وبرزت من كتفيها أعصاب دقيقة– نفس الوقفة التي تذكركِ بيوم زفاف الأميرة ديانا أو أثناء تجولها في حقول الألغام بين ومضات مئات الكاميرات. ولقد جعلني هذا المشهد أشعر بوخز حاد، وهو نفس الإحساس الذي انتابني حين ألتقيتُ كورين في هامبستيد هيث وأخبرتني بالكلمات المرجعية التي اختارتها كي تنطلق في الحديث بلكنة ديانا أو تختم الحديث بتلك اللكنة، حسب الحاجة. “أُوُل رايت” (حسنًا)؟، قالتها ببساطة، وهي تميل برأسها وتضبط إيقاع المقطعين تمامًا مثل الليدي ديانا، فبدت وكأنها بشخصيتها الراقية قد بُعِثَت من جديد. وكأنني رأيت شبحها.